dimanche 11 juillet 2010

قصة نضال عذارى دوز ضد المستعمر من خلال ما ورد على لسان الشعراء

قصة نضال عذارى دوز ضد المستعمر

من خلال ما ورد على لسان الشعراء

حكاية مقاومة قبيلة العذارى بجهة دوز ضد جور الباي وضد المستعمر حكاية لا تخفى على جاهل وكان بعض الشعراء الشعبيين قد اشاروا لها في اشعارهم وتحدث عنها الاديب محمد المرزوقي في كتابه "الشعر الشعبي والانتفاضات التحررية" الصادر عن الدار التونسية للنشر سنة 1971 .

وهذا الشاعر عبد الله بن علي المرزوقي يصف حال بلده دوز ابان الاحتلال يقول :

عام كذب عام اخبار عام نذاير

عام اللي بات الوطن فيه كامل حاير

***

حتى يصل الى ما يهمنا من قصيده الشهير والذي قاله ابان الحرب الاولى والبلاد مقسمة بين ملك جائر ومستعمر مغتصب وامة يقسمها الجوع والجهل والتشرد انهكها الباي بالضرائب والمستعمر باستنزاف خيراتها وملاحقة شرفائها يقول :

عام نصارى *** عام ان بدت في بلادنا غدّارة

عام ان بدي الجار ياسي جاره *** عام العذارى طايحين مطاير

عام ان هفاهم سيف ماضي اشفاره *** لحم الأربعة قاعد عشي للطاير

وهنا يأتي الشاعر للحديث عن ما وقع لعذارى دوز والعذارى قبيلة من معتمدية دوز تسكن قرب المرازيق في غليسية والصنم وزعفران يرجع أصلهم الى قبيلة بني عذرة من الجزيرة العربية وهم بدو رحل اشتهروا بخبرة مفاوز الصحراء الكبرى وتربية الإبل والغنم والصبر على الظمأ والجوع .وكانت هذه القبيلة من ضمن القبائل التي هاجرت أمام الزحف الفرنسي فأغلبها دخل الصحراء الشرقية والبقية دخلت الصحراء الغربية. فأما الحي الكبير الذي ارتحل شرقا فقد نزل ب"بوفليجة" جنوب شرقي دوز وكانوا يستقون من ماء "اثمد " حفرت بالمكان المسمى "الحقف" وهو المكان الذي تشرف عليه آثار "قصر غيلان الروماني" وحاول كاهية "نفزاوة"اذ ذاك احمد بن حمادي أن يرجعهم الى ديارهم بمختلف الوسائل فلم يفلح وسخروا منه ومن الحاحاته وامتنعوا عنه بالصحراء .وكان الكاهية يرمي من وراء ذلك الى حماية سمعته عند الباي من جهة والاحتفاظ بالموارد التي كان يستغلها من العذارى من مال و صوف وسمن ووبر وصيد وحرم منها بسبب هجرتهم وقد رد احد شعرائهم على طلب الكاهية :

نجع ان صًيّف في مْرباعه *** لحقها خلْاعًه

نافق والرومي ما طاعه

نجع إن صيًّف وين مربًّع ***قاعد في الحيوان يتبّع

لا قاضي لاحاكم يطبع ***كان رمْله بيضًا هباّعه

ما يزوزه كان المضبّع ***طماع ونفسه خدّاعه

أي أنّ نجع العذارى اختار أن يقضي الصيف أي أمضى الربيع ونحن نعلم شدة حرارة الشمس في الصيف ومع ذلك يتحملون حرارة الصيف وقساوتها على أن يعودوا أذلاء الى الباي وكاهيته ويصف رمال الصحراء الحارقة بوصاف جميلة تشبه نزهتهم فيها ب "الخلاعه" أي فسحة جميلة حيث لا تطالهم أيادي الغدر والخداع التي لا تستطيع بلوغ مرابضهم إلا إن كانوا مجانين "كان المضبّع" وهذا تحدي للكاهية وللمستعمر على حد سواء.والطريف أن الكاهية احمد بن حمادي كان يقول الشعر أيضا وانه حين بلغه آمر هذه الرسالة رد عليها شعرا أيضا في تحدي قائلا:

يهب الشهيلي ويكبر الغليوني ***في وين تغدوا يا كلاب تجوني

وواضح لهجة الهجاء والغضب التي خاطبهم بها أي حين يشتد عليكم الحر ستعودون الى دياركم وعندها لكل حدث حديث ...

وحين وصلتهم رسالة الكاهية وصلت معها رسالة من احد أتباعهم يشتغل عند الكاهية وعليم بما يدبر بليل فقال مخاطبا أهله:

روموا الشهيلي واشربوا الاصرادي ***يا ساكنين الحقف زيدوا غادي

أي أن الكاهية سيهاجمكم لذا لا تعودوا الى بلدكم وان استطعتم ان تبتعدوا أكثر من ذلك فافعلوا . غير أن أحفاد بني عذرة الأشاوس سخروا من تهديدات الكاهية وردوا عليه بسخرية على لسان أشعرهم:

لا نطاوعوا الرومي و لاندّوله ** مادام لينا الواسعة محلولة

نوار ذيل الكلبة ** لانحملوا منه طلب لا غلبه

حملها الزّعبي على جنان كسبه ** حلوة ومرة الكل عدا هوله

ما يحمله طرشون عنده قربه** عل ظهر كوت ينم في مرحوله

وهنا نلاحظ رد الأذية او السبة بوصف الكاهية ب "ذيل الكلبة" بعد أن وصفهم بالكلاب الضالة فان كانوا هم "كلاب" فهو" ذيلها" ونورت ذيول الكلبة أي قد تسنم المراتب العالية من ليس أهلا لها زيادة في التحقير.أما التعلق بمتاع الدنيا فليس من شيم البدو الأحرار الذين يفضلون الحرية في الصحراء على جنان تمر او عقار او...لذا يصفون كسبهم :

على ظهر كوت معفى **هدرق سبيبه فوق كتفه قفّى

بدنه بقر الوحش تاو إن صفى**وخف بوطيره سكته مجهوله

وبوطيرة هو الدينار الذهبي المعروف في ذلك العهد .

ويظهر أن سخريتهم هذه لم تستطع حمايتهم من جنود الكاهية الذي باغتهم في ربوعهم في بوفليجة فتفرق جمعهم منهم من وصل الى حدود طرابلس ومنهم من عاد الى قبيلة العذارة .

أما الفرقة الغربية فقد أمعنت في فرارها الى صحراء وادي سوف وبقيت هناك زمنا وكانت فرقة صغيرة تتشوق للعودة الى الوطن لكنها تحملت الغربة على العودة لحكم الباي والمستعمر الى نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين على ما يفهم من أشعرهم "بلحسن بن مرزوق" من "البلايلة" اي من "أولاد أبي الليل " او بليلة كما يسمونهم حيث يقول :

لولا الظلم ولولا الخوف ** ما نبدل نفزاوة بسوف

لولا الخوف ولولا الظنّة** ما نبدل نفزاوة الجنة

وفي رواية أخرى ما نبدّل غليسية بالجنة

إل فيها ناسي وأهلنا **منها مشّانا الهيتوف

يا ربي ليها توصلنا **وعل مشي المغرب شاعوف

لولا الظلم ولولا حسابه **ما نبدل وكري وترابه

مرًّه نحرث نجبر صابه **في فضلة وادي الحلّوف

ومرة تجيني صابة غابه** ما عندي قوة مصروف

فهو يتمنى أن يعود لبلده ويرضى بالقليل على الهجرة وتشريد الأهل ولكن معاناة الهجرة والتشريد أهون من الإذلال في بلده وتلك هي شيم البدوي الحر .وهو ما نجده يصرح به في قصيد أخر :

لي حول العام نهاتي **متوحش الإخوة وأخواتي

علي جاير حكم النّفاتي** وزايد ها الكلب المنعول

باني برجه على نخلاتي **ودابرهم مربط للزّول

وواضح هنا رفضه لحكم الإذلال الذي يفرضه المستعمر وأعوانه والنّفاتي هو بلقاسم بن خليفة النّفاتي الذي عينه الفرنسيون عاملا على نفزاوة مكان الكاهية احمد بن حمادي الذي سجنه الفرنسيون بعد مقتل المركيز دي موريس في جوان 1896 .والكلب المنعول هو المستعمر الذي بنى برجه برج بوشفال على مشارف قرية الشاعر غليسية بجانب جنة نخل تسمى المهادية على ملك أولاد أبي الليل .

هذه قصة نضال وصمود عذارى دوز كما أوردها الأديب محمد المرزوقي في كتابه " الشعر الشعبي والانتفاضات التحررية".