vendredi 16 juillet 2010

الدكتور محمد لحول : الزوايا والطرق الصوفية بالبلاد التونسية - منطقة دوز* عيّنة - جزء 2




I الزوايا والطرق الصوفية بمنطقة دوز : الخصائص والمميزات:

1) الزوايــا

أ) زاويتا الغوث والمحجوب:


لئن لم تشر الرواية الشفوية المتداولة -في غياب الوثائق والنصوص التاريخية- إلى تاريخ نشأة زاويتي الغوث والمحجوب فإنهما تبدوان قديمتين إذ نجد اعتمادا على الدفاتر الإحصائية لنخيل منطقة نفزاوة في عهد المشير أحمد باي وبالتحديد سنة 1852م عند فرض "قانون" أو ضريبة النخيل والزيتون بالإيالة التونسية أن النخيل المحبّس على الشيخين الغوث والمحجوب ببلدتي قبلي وتلمين كان عدده 182 نخلة وكان مجموع الأحباس سبعة(1).

ولا شك في أن الزاويتين اقترنتا في منطلقهما بمعنى العبادة رغم أن الرواية المتداولة تسكت عن هذا السبب في اختيار بلدة دوز مستقرا بل تذهب إلى معنى آخر وهو البحث عن العزة والكرامة إلاّ أن هذا المعنى لا ينبغي أن يخفي عنا المعنى الثاني للمرابطة(2) وهو إقامة الجيش في الرباط والراجح أن زاويتي الغوث والمحجوب كانتا تقومان بحماية طريق القوافل من قابس إلى الصحراء الجزائرية ومن شمال البلاد التونسية إلى مدينة غدامس فالبلدان الإفريقية جنوبي الصحراء(3) إذ كانت هذان الطريقان التجاريتان نشيطتين خصوصا قبل الاحتلال الفرنسي لتونس. وقد يفسر هذا ما تمتعت به الزاويتان من حصانة في عهود البايات (4) وقد واصل الاستعمـار الفرنسـي إسناد

ـــــــــــــــــ

(1) انظر : بلغيث الشيباني، المقال المذكور، ص 288.

(2) انظر: محمد الدكالي، كتاب في الرباطات، ص2

(3) انظر: محاضرة عبيد البشراوي بعنوان : دور الجنوب التونسي في التجارة عبر الصحراء. و قد ألقيت بمهرجان الصحراء بدوز في نوفمبر 1968 و نشرت بالعدد الرابع من مجلّة "صدى الصحراء" التي تصدرها اللّجنة الثقافيّة المحليّة

(4) لم أعثر على وثيقة تثبت أن الزاويتين لهما حرم آمن (الأرشيف الوطني التونسي، الملف د 97 8 مكرر) ولكن يتردد هذا المعنى في الشعر الملحون ونجده مثلا في قول الشاعر "الشعبي" محمد الطويل مخاطبا المحجوب :

عندي عليك النقل بالتصحيـح ثابت حديثي شيء بالتصحاح

محرّر أولادك من الأداء مساريح من أحمد باشا جايب التسراح

الامتياز للمحتمين بالضريحين(1).

وقد اقتصر دور الزاويتين على تحفيظ القرآن(2) وتلقين مبادئ القـراءة والكتابـة. ولئن كنا لا نعرف فترة انطلاق الزاويتين في القيام بهذا الدور التعليمي التربوي فالأكيد أن زاوية المحجوب على الأقل كانت نشيطة منذ العقد الثالث من القرن العشرين إذ نجد في ترجمة الأديب محمد المرزوقي (ولد سنة 1914)(3) أنه حفظ القرآن في صباه بزاوية المحجوب ثم انتقل إلى الدراسة بجامع الزيتونة.

وكان يؤم الزاوية ويقيم بها تلاميذ من مناطق الجنوب التونسي وأحيانا من مناطق أخرى.

وقد أمكننا ضبط قائمة في المؤدبين الذين تداولوا على كتّاب المحجوب :

- الحاج سالم بن ابراهيم

- عبدالله بن خالد

- علي بن سعيد وهو تلميذ عبد الله بن خالد

- العربي بن محمد بن عمر بن العربي

- عمر بن محمد بن علي، اجتمع في فترة واحدة في الكتاب مع العربي بن محمد، ولم يطل به المقام أكثر من ثلاث أو أربع سنوات حيث غادر الكتاب ليقوم بتحفيظ القرآن في بيته.

- علي بن العربي بن محمد، ولم يبق أكثر من سنتين.

- الحاج عبد الله بن حمد بن عبودة

- عمر بن ابراهيم بالثابت

- بوبكر البكوش وهو مباشر إلى الآن.

ويتأتى دخل الزاويتين من الأعطيات والهدايا(4) ومن الأحباس وخاصّة أحباس النّخيل بقرى تلمين ونقة والقريبة من قبلّي ورغم حلّ الأحباس رسميّا سنة 1957 فإنّ أوقاف النخيل مثـلا بقرية

ـــــــــــــــــ

(1) بقي يتردد على ألسنة الناس عند الاحتماء من خطر داهم قولهم "اعقل على الغوث أو المحجوب"، وقد احتمى عديد المتظاهرين في ما يعرف بأحداث الخبز الدامية التي انطلقت من دوز يوم 31 ديسمبر 1983 بضريـح الغوث وبالمقبرة باعتبارهمـا مكانين مقدسين لا يمكن دوس حرمتهما.

(2) يعرف الكتاب بالمنطقة باسم الخلوة.

(3) انظر ببليوغرافيا المكتبة الوطنيّة بتونس التي صدرت سنة 1983 بمناسبة انعقاد الدورة الأولى لملتقى محمّد المرزوقي للأدب الشعبي.

(4) كان وكيل زاوية المحجوب إلى منتصف الثمانينات يجلس يوم الخميس وهو اليوم الذي تنتصب فيه السوق الأسبوعيّة بمكان معلوم وينادي بصوت عال" يا اللّي عندك وعدة خلّصها" وكانت المداخيل تخصّص أساسا لإطعام عابري السّبيل.

تلمين المخصّصة لزاوية الغوث بقيت قائمة إلى سنة 1995 وتمّ بيعها لبناء جامع أولاد يحي. ومازالت زاوية الغوث تمتلك أرضا شاسعة بوسط المدينة قرب المقبرة محبّسة عليها ولم تفرّط منها إلاّ في جزء لبناء مكتبة عموميّة ومدرسة لتعليم الصّم والبكم، ومازال بعض الفلاحين يحبّس نخلة أو نخلات ببستانه على الزاويتين دون أن يوثّق ذلك بحجّة رسميّة ممّا يوفّـر دخلا دائما ومستمرّا لهما ممّا يجعل القائمين على إحياء الدور التعليمي بزاوية المحجوب(1) مطمئنين.

وتجدر الإشارة إلى أنّ قومة الزاوية هم من المتطوّعين ولا ينتمون إلى عائلة معيّنة - باستثناء عائلة الجديدي بالنّسبة إلى زاوية المحجوب ولا شكّ في أن طلب الثواب هو الغاية دون أن نغفل المنافع الماديّة التي قد تحصل للقائمين على الزاوية لأنّهم لا يخضعون لرقابة مالية خارجيّة.

ب) زاوية نويّل(2):

انطلقت هذه الزاوية في النشاط سنة 1917 وتم بناء مقرها سنة 1938 وبقيت تقوم بدور تعليمي إلى اليوم و يتجاوز حاليّا عدد الطلبة "المرتبين"(3) بها 60 طالبا ويقتصر تعليمهم على حفظ القرآن وتلقّي مبادئ أوّلية في الفقه (منظومة ابن عاشر).

ويتوزع الطلبة على ثلاثة فصول:

*الفصل الأول : يضم الطلبة الكبار النجباء الذين يعيدون حفظ القرآن. تبدأ حصة التحفيظ بعد صلاة الفجر وإثر صلاة العصر، فيقومون بتلاوة القرآن وتجويده.

*الفصل الثاني : يضم الطلبة "الوسّاط" الذين يتوسطون الفصلين الأول والثالث. يتلقون "الملّة" أي الإملاء فجرا وبعد الظهر.

*الفصل الثالث : يضم "النصّافة"، يحفظون القرآن ويتولى تحفيظهم اثنان من قدماء الطلبة الذين تخرجوا من الزاوية.

وتتراوح مدة الدراسة بين ثلاث سنوات وخمس سنوات تختم بالحصول على شهادة الكفاءة في تدريس القرآن، ويكتفي كل طالب يكمل تعليمه بوظيفة المؤدب أو الإمام.

ـــــــــــــــــ

(1) بدأ القائمون على زاوية الغوث يفكّرون في إعادة الدور التعليمي للزاوية.

(2) قرية تقع غربي دوز تبعد عنها مسافة 18 كلم

(3) أي المقيمين الذين يتمتعون بالأكل والإقامة مجانا ولا يغادرون مقر الزاوية إلاّ يوم الجمعة.

وتتحصل الزاوية على مساعدات مالية من وزارة الشؤون الدينية ومن جمعية المحافظة على القرآن الكريم.

وتجمع هذه الزاوية بين الجانـب التعليمـي والجانـب الطرقي إذ تـؤوي طريقة صوفيّة هي الطريقة القادريّة