samedi 19 juin 2010

ما بي مرض: حكاية قصيدة

-->
ما بي مرض: حكاية قصيدة
قصيدة ما بي مرض لرجب حمد بوحويش قيلت في الربع الاول من القرن الماضي ابان الاستعمار الايطالي لليبيا وكانت بمثابة المدفع المدوي في صدر الاحتلال بفضحه وفضح عملائه وشهادة توثق نضال الشعب الليبي ضد المحتل ..فهي قصيدة استثنائية قيلت في ظروف استثنائية ..لذا صارت على كل لسان وتبارى الشعراء طويلا في معارضتها ....
الشاعر رجب بوحويش ولد في 15 جانفي 1876 بزاوية المرصص غربي مدينة طبرق وهو من قبيلة "المنفة" التي ينتسب اليها شيخ المجاهدين عمر المختار من عشيرة "علوم" التي تسكن منطقة البطنان التي قال عنها الشاعر صالح بومازق :
علوم روس ومسيكة حماه الخايف
لا يكسبوا عايب ولا غوارة
جرايين للصاحب بكل طرايف
نصابين للحلة اللي فوارة
تلقى شاعرنا تعليمه الديني في قريته في الكتاتيب بعد ان صار التتريك يهاجم اللغة العربية في مرابضها حفظ القران في مدرسة الجغبوب الدينية وعاد لقريته ليرى ما فعل النهب التركي لثروات بلاده وتواطئه مع المستعمر الايطالي فانظم الى حركات المقاومة وخاض معارك بالبندقية مثل معركة "اذريع الرتم" بالقرب من منطقة الابيار التي تكبد فيها الطليان خسائر فادحة .عاش ردود فعل الطليان الوحشية على هذه المعركة مثل نهب املاكه ب"عين الغزالة " وتدمير بيوت عشيرته ب"الكفرة " وسجن عشيرته كلها في "معتقل العقيلة " التي قال فيها قصيدته الشهيرة هذه .
في مطلع هذه القصيدة يقول الشاعر الشعبي الفقيه رجب بوحويش أنه عندما يسأل عن مرضه ، وهو في المعتقل يجيب أنه لا يشكو من أي مرض عضوي ، ولكن ما يحزنه ويقلقه هو ما تقاسيه قبيلته وغيرها من القبائل ، في معتقل العقيلة الرهيب من تنكيل وتعذيب .
كما يصف لنا حنينه وشوقه المتدفق إلى ربوع البطنان وضواحيها مثل: عكرمة والعدم والسقايف وغيرها..
تلك الربوع التي كان الشاعر يخبرها جيداً في شبابه ويعرف شعابها ووديانها.
وكلما يتذكرها وما له فيها من ذكريات جميلة فإن دموعه تنهر من عينيه بغزارة لتسقط على لحيته الكثة، بل انه ينسى أوقات الصلاة كلما يتذكرها.
ولو أطلق سراحه ورآها من جديد، فأنه سوف يأمر أهله بطهو وليمة، ويتصدق بها على الناس شكراناً لله على استجابته لدعائه أقرأ معي هذه الأبيات من القصيدة:
ما بي غير واجد مرايف
والحال صايف
على عكرمة والعدم والسقايف
وحومة لفوات عز العطايف
وحتى وهي محيله
تربى المهازيل جلة خويله
مرايف على عكرمه والسراتي
اللــــي هن مناتي
نشكرن أن كان طلتهن في حياتي
علي وين يخطرن ننسى أوقاتي
دمــــعــــي..... نهيله
زواعب على لحيتي سال سيله
يقول المجاهد إبراهيم الغمارى عن مناسبة تأليف هذه القصيدة الشعبية في كتابه من ذكريات معتقل العقيلة الذي صدر عن مركز دراسات الجهاد الليبي ضد الغزو الإيطالي من داخل معتقل العقيلة التقيت بالمجاهد الفقيه / رجب بوحويش الذي بادرني قائلاً :
- يا إبراهيم لقد مر بي خاطر ليلة البارحة فنظمت قصيدة إذ تجد ورقة وقلما أمليها عليك.
يضيف إبراهيم الغماري فذهبت إلى المكتب الخاص بسجون المعتقلات وكان الموظف به يدعى / محمد المصدور وهو رفيقنا سابقا بالدور فطلبت منه ورقة وقلما وعندها رجعت إلى الفقيه رجب الذي أخذ يملى علي قصيدته المشهورة :
ما بي مرض غير دار العقيله .... وحبس القبيله
وبعد الجبا من بلاد الوصيله
وفي معتقل العقيلة تجلى أبشع ما ينتج عن الحقد الأعمى، فالمعتقلون لا يعالج مرضاهم ولا يعطون طعاماً سوى حفنة من الشعير، كما كانوا يسخرون للقيام بالأعمال الشاقة، ومن تخور قواه يجلد حتى الموت ويتساوى في ذلك الأطفال والشيوخ والنساء وفيه جرت أضخم عمليات الابادة الجماعية للشعب الليبي وقد أستشهد ثلثي المعتقلين بالعقيلة البالغ عددهم أكثر من 18 ألف شهيد من جراء التعذيب الوحشي الفظيع، ها هو الشاعر يصور لنا كل ذلك وكأننا أمام شريط مرئي عن مأساة معتقل العقيلة:
ما بي مرض غير فوت الحدود
ووقاف............ سود
وشبردق ملوي على راس عُود
لا حيل لا قادره لا جهود
لشيل ............ الثقيله
زاهدين في العمر لوجا وكيله
ما بي مرض غير فقد الملاح
ودولة ........ القباح
اللى وجوهم نكب واخرى صحاح
وكم طفل عصران م السواط ذاح
حاير ............ دليله
يانويرتي صاف من دون جيله
ما بي مرض غير ضرب الصبايا
وجلودهن ......... عرايا
ولا يقعدن يوم ساعه هنايا
ولا يختشوا من بنات السمايا
بقول ..... يارزيله
وعيب قبح ما يرتضى للعويله
ما بي مرض غير قول اضربوهم
ولا تصنعوهم
وبالسيف في كل شي خدموهم
ومقعد مع ناس ما نعرفوهم
حياة ........ عويله
الاً مغير ما عاد باليد حيله
بعدها ينتقل ليصف لنا حياته داخل المعتقل الرهيب، وكيف أنه بعد أن كان سيداً في قومه، وفارساً شجاعاً، يرد الأموال المغتصبة إلى أهلها، أصبح عبداً ذليلاً كالمرأة مغلوباً على أمره، أمام جبروت إيطاليا الفاشية، يسخر للقيام بأحط الأعمال وأقذرها وأثقلها عبئاً، وكيف فقد العديد من أبناء قبيلته، وهو أسير تكبله الأغلال والقيود لا حول له ولا قوة ولم يستطع أن يفعل أي شيء إزاء ذلك وكذلك أسر وسجن الكثير من النسوة في المعتقل من بينهما بنتا الفقيه رجب بوحويش.
ما بي مرض غير فقد الرجال
وفنية.................. المال
وحبسة نساوينا والعيال
والفارس اللى كان يقدع المال
نهارة ...... جفيله
طايع لهم كيف طوع الحليله
طايع لهم كيف طوع الوليه
أن كانت خطيه
نرمى الطاعه صباح وعشيه
نشيل في الحطب والوسخ والمويه
معيشة ذليله
مفيت ربنا يفزع يفك الوحيله
طايع لهم كيف طوع الوصيف
نسيت الوظيف
بعد بقيتي كنت ظاري عفيف
نصبى بلا حيل عندي خفيف
نشيل الثقيله
نزازي مزازة من زين حيله
ما بي مرض غير فقد الغوالي
اسياد المتالي
سماح العضادات فوق العوالي
راحوا حساب شي تافه قبالي
ولا لقيت .... حيله
نشالش بها نين راحوا دقيله
كما يصف لنا الشاعر كيف عمد الطليان إلى إذلال الشعب الليبي وإرغامه على العمل في رصف الطريق الساحلي، في وقت لم تكن فيه الآلات العصرية قد عرفت بعد
كان العامل الليبي يشتغل عشرة ساعات يومياً مقابل كيلو من الشعير الجاف بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي كانت تمر بالبلاد في شتاء 1930 م حيث نفقت الكثير من المواشي، وأجدبت المراعي، وعمت حياة الفقر والجوع والقهر في كافة أنحاء البلاد:
ما بي مرض غير شغل الطريق
وحالي .............. رقيق
ونروح وما طاق البيت ريق
وسواطنا قبال النسا في الفريق
وقبينا ... زطيله
ما طاقنا عود يشعل فتيله
ويرثى لنا في قصيدته هذه شيخ المجاهدين عمر المختار الذي ألحق بايطاليا خسائر فادحة والتي كان يخيل إليها أنها بإعدامها له ستقضى على روح المقاومة لدى الشعب الليبي ولكن خاب ظنها فإن كل ذلك لم يزد شعبنا إلا صلابة وإصراراً على مواصلة الجهاد واستمرار المقاومة في كل شبر من أرضنا الطاهرة .
الدايم الله راح راعي المجمم
طفى ضي ظلم
العاصي على طول مايوم سلم
لو لا الخطر فيه بيش نتكلم
ونعرف ... نشيله
ونعرف نبين ثناه وجميله
كما رثى لنا أبناء عمه الأبطال الأشاوس، الذين استشهدوا في المعتقل، فذكرهم بأسمائهم، معدداً بطولاتهم وأمجادهم / منهم يونس الذائع الصيت، والذى يتمتع بمكانة طيبة بين عائلة " المقورى " وبوحسين شيخ الرتيوات ، والعود فارس عائلة : المصموت " ، وأمحمد وعبد الكريم ، وموسى وجبريل .. كل هؤلاء الأبطال المشهورين من قبيله المنفه يشعر الشاعر الفقيه رجب بوحويش بالحزن العميق لفقدهم:
مابي مرض غير طولة أجالي
وضيعة ...... دلالي
وفقدة أجاويدهم روس مالي
يونس اللى كيف صيت الهلالي
كرسي ........ القبيله
أمحمد وعبد الكريم العزيله
وبوحسين سمح الوجاب الموالي
والعود ... ومثيله
راحوا بلا يوم ذايب ثقيله
مابي مرض غير غيبة أفكاري
وبينة غراري
وفقدة ضنا السيد خيوة مطاري
موسى وجبريل سمح السهارى
أسياد ... الخويله
ما ينطروا بقول داروا عويله
وفى آخر القصيدة، يطلب الشاعر من الله عز وجل أن يفرج عنهم هذا الهم، ويطلق سراحهم من هذا المعتقل وقد قال كل من شهد هذا المعتقل : أن الله استجاب لدعاء الفقيه رجب بوحويش ، وأفرج عنهم قبل نهاية الشهر بعد قوله لهذه القصيدة :
ما بي مرض غير فقدة بلادي
وشي من اريادي
نواجع أشهر في السقايف سدادي
طالب الكريم اللي عليه اعتمادي
يجعل ... بشيله
قبل ما يفوتن ثلاثين ليله
المصدر: كتاب "شاعر معتقل العقيلة" ل حسين نصيب المالكي
طبع قطاع الكتاب والتوزيع والاعلان من دون تاريخ

وهذه معارضة للشاعر علي لسود المرزوقي