mardi 29 décembre 2009

اول نشاط مربد دوز مداخلة للاستاذ الشريف بن محمد :قراءة في نماذج من الشّعر النّسائي


قراءة في نماذج من الشّعر النّسائي : الاستاذ الشّريف بن محمّد


تخطيط المداخلة:
I
ـ مقدّمة :
1
ـ في دواعي الاهتمام بشعر النّساء.
2
ـ في وجاهة التّصنيف.
3
ـ في المدوّنة المعتمدة.
II
ـ السّمات العامّة لشعر النّساء
1
ـ الناحية الفنيّة :
أ ـ الإيجاز.
ب ـ الغنائيّة ( الإطراب والإشجاء ).
ج ـ توظيف الحكمة.
د ـ سهولة العبارة.
هـ قرب الصّورة.
وـ الميل إلى الترميز والإيحاء...
2
ـ الناحية المضمونيّة :
أ ـ الانطلاق من المعيش ( تفوّق الواقع على الخيال ).
ب ـ غلبة الوجدان.
ج ـ الإفراط في الشكوى...
III
ـ تأليف وخلاصات عامّة.
I
ـ مقدّمة :

1
ـ في دواعي الاهتمام بشعر النساء:

دأب المشتغلون بالأدب عامّة والأدب الشعبي على وجه التحديد على إيلاء المبدع رجلاً المكانة الأسنى فاحتشدت في الذّاكرة ألوان من الإبداع الرجالي لا يُجَارَى ولا يُبَارى ومِن فحوله الذين عمّروا الذّاكرة الجماعيّة ويعمّرون البرغوثي والطويل وانبيخة وبوخفّ، وفي المقابل قلّما تمّ الاستشهاد بشعر المرأة لأسباب متعدّدة من أبرزها :

تداولُ الشّعر النسائي في دوائرَ ضيّقةٍ مرتبطة بالحادثة التاريخيّة المعلومة أو المجلس النّسائي الضيّق ممّا أعدم حضوره وهمّش بروزه، فبقي هذا الشعر حبيس الصّدور أو تَرَاوَتْهُ فئاتٌ قليلة ( كالعائلة أو الأقارب أو من أسعفه الحظّ بسماعه ) ولكنّ هذا الشّعر سريعا ما يندثر أو تتغيّر معالمِـُهُ بسبب السّلسلة الضعيفة في الرواية الشفوية وما قد يطرأ عليها من تغيير وتبديل، ومثل هذا القول سينسحب على بعض الشواهد التي جمعنا ولسنا واثقين من نسبتها إلى معشر النّساء.

هيمنةُ الثّقافة الرجاليّة تفرض نسقَ إبداع قويًّا قلّما يسمح للصّوت الآخر بالبروز ومن نماذجه في العرس التقليدي هيمنةُ صوت الرّجل/الشاعر أو الـ"ـمُوﭭـَفْ" الرّجالي هيمنة طاغية، فإن سمعنا الصّوت النّسائي فهو لا يصل أسماع الحاضرين إلاّ في الصيغة الجماعيّة غالبا، وهو لا يتناهى إلى تلك الأسماع إلاّ وانيا مغلّفا بكثير من الاحتشام والخوف مادام صوتُ المرأة عورة في المجتمع البدوي.

مكانة المرأة في المجتمع التقليدي ( فهي مجرّد طرف مكمّل بينما تبقى الرّيادة للرّجل، وهذا جليّ في مجمل الأعمال التي يتقاسمها الطرفان فللرّجل المهمّات العسيرة قولا وفعلا وللمرأة ما خفّ من هذه المهامّ ). وحتّى عندما حضرت في قصيدة البرغوثي الشهيرة ( يا والدة ) فإنّها كانت مجرّد واسطة بين الإبن الذي ترحّل هربا من عسف الوالد، وبين الأب الذي يتظلّم من ابن هارب، فمن الطريف إذن أن يكون النصّ عن المرأة (الوالدة ) بين رجلين.

النظرة السلبيّة إلى دور المرأة في الحياة فهي مغلّفة بالنقصان من المهد إلى اللّحد، فلا حديث عن إبداعها الشّعري وكثيرا ما نُظر إلى هذا اللّون إن كان مصدرُه المرأة بشيء من التحوّط والتحرّز. وقد ذكر الشّاعر الأخضر المنصوري شيئا يعزّز هذا الاتّجاه حين عاب على الرّجال تقديم المرأة في قصيدته الذائعة:

الظِلّ والذِلّ عادوا سِوَا ** الرّاجلْ حَوَى**اليُومْ السجاعة بِدَتْ لِلْمرا
الظلّ والذلّ عادوا سِوِي ** الرّاجلْ حَوِي **اليوم السجاعة بدت للنّْسِي

محدوديّة المشاغل التي يطرحها الإبداع النّسوي قياسا إلى اتّساع مجالات القول أمام الرجل.

فإلى أيّ حدّ بدت الأسباب السّالفة مانعة من حضور المرأة في مقام الإبداع الشعري ؟

2
ـ في وجاهة التصنيف :

إلى أيّ حدّ تبدو قسمة الشّعر الشعبي إلى صنف رجالي وآخر نسائي منتِجة ؟ وما الذي يضمن لهذا التقسيم حسب جنس المبدع وجاهَته والحال أنّ الأمر متعلّق في صميمه بقضيّة الإبداع سواء تعلّق الأمر بالرّجل أو المرأة؟

سننـطلق في افتراض الإجابة من ذلك النصّ الحواريّ الشّهير بين الشّاعر عبدالله بن علي المنصوري وبين الشّاعرة مسعودة عبدالملك السلميّة، وهو من النّصوص[1] التي يتراواها النّاس ويزدادون بها إعجابا وافتتانا لما يكتنز من دقّة في وصف معاناة الفرد وغربته في محيط حضري جديد، ولما انطوى عليه من حكمة وقول موجز رفيع.

إنّ أوّل ما يسترعي الانتباه هو تلك القسمة الشكليّة العادلة بين الشاعرين فلكلّ منهما خمسة مقاطع بالعدّ والحساب، لكنّ اللاّفت في هذا النصّ أنّ المرأة هي التي قدحت زناد القول حين استهلّت النصّ بقولها :

بَالْفِينْ كِيلِي مَا مْلِي عُلاّﭭـَـهْ *** لاَ حِمِلْ جَانِي عَلْ جِمَلْ لاَ نَاﭭَــهْ


وهي ذاتها التي ذيّلت النصّ في الختام حين أذعنت لفحولة الرّجل / الشّاعرة على ما تثبث الرّواية :

بَايَعْتْلَكْ يِزِّينِـــــــــــي *** خُوذْ السِّلَبْ نَعْطِيكْ مَا يِغْنِينِــي


وبين الحدث القادح والنهاية المعلِنة عن انتصار الرّجل توجد في النصّ إشاراتٌ ترسّخ ما للقول الرّجالي من وجاهة لدى المتقبّل، فهذه المرأة التي أعيت الرجالَ جميعا بالبيت الملغِز فذهبوا في تفسيره كلَّ مذهب خاطئٍ اطمأنّت برهةً من الزّمن إلى ما في جرابها من إبداع، لكنّها ما درت أنّ الشّاعر الشّاعر يتربّصُ بها الدّوائرَ لتعلن في غير مراء أنّ الإبداع رجالي أو هكذا صرّحت :

فِكْرَكْ تِعَدَّى فِكْـــــــرِي ***وْعَلْ ﭭدّ مَا حَكّرِتْ فَايِتْ حَكْرِي


وهي التي اعترفت من قبل :

وَاللهْ ﭭـُولَكْ ثـَــــابِتْ ***تَفْهَمْ أوْجَاعْ الـﭭـَلَبْ وُأمَّكْ جَابَـــــتْ


بل إنّ النصّ كاد ينقلب في ختامه إلى غزل خفيّ غلّفه وقار الشيوخ :


بايَعتْلَك يِزّينـِــــــــــي *** خُوذْ السِّلَبْ نعطيك ما يغنيــــنــي

وﭭـُولَكْ شِرَحْ الـﭭـَلَبْ وِمْرَضِّينِـــــي ***صاحبْ عـَﭭـَلْ مَاكِشْ مْنِ الشَدَّاﭭـَه

نسمع سِمَعْ وِاليُومْ ريتْ بعينــــــي ***ومن ﭭبل يحكولي عليك رفاﭭــــه


وفي النصّ هيمنة جليّة لنسقين : فللمرأة الشّكوى والتألّمُ من جور الزّمان، وللرّجل الحكمةُ والتأسّي واجتراحُ الصّبر من معادنه

مظاهر الشّكوى والتألّم من جور الزّمان :

تاسعْ سِنِي ملّيتْ كبدي طـابت *** لا لُجُتْ في ظاهر وْسِيعْ رْﭭاﭭـــــه

ما لـﭭيتْ حتى فلـّـــــهْ *** عليَّ الغمامه ما بِغَتْ تِجَلّــــــــى

والصّبَرْ ما لـﭭيتاشْ يـا عبد الله *** دمعةْ عيوني هايفه دفّاﭭــــــــــــه


مظاهر الحكمة والتأسّي واجتراح الصّبر من معادنه :


ديري خلوق وسيعـــــه *** وكُثْرِ الـﭭلـﭫ ما ينفعك بنفيعــــــــــه

والصّبر ما تلحـﭭش منه وجيعـــه *** عل الحي ديـــمه واسعة ومضياﭭـــه

ساعاتْ لِنْهُو الوادْ بنـﭭاﭭيعـــــــــه *** وساعه شهيلي نَوّْتَـه حرّاﭭــــــــــه

ﭭلبك حَشَدْ في نهــــوده *** ودمعك على روس الخْدود بْـــدُودَه

واللّي انْكِتَبْ في الرّاسْ يا مسعوده *** لا ينمحي ولا تلـحـﭭـَه لحّاﭭــــــــــه

عدّيه كانه غَصَبْ ولاّ جــــــــوده ***سوى حلو ولاّ مُـرّ من دِرْياﭭــــــــه

يْهِبّ الفِلكْ وعِلمَــــــــه *** وْعَلْ حَيّ مَا تُـﭭـعُدِشْ ديمه ظلـمـه

ليام راهي في مثيل الحلمـــــــــــه ***ﭭد ما تلايم بَهْـــلْها فرّاﭭــــــــــــــه

يْدورِ الفِلكْ ياتي الجِّمَلْ بحملــــــه ***يفرّح خْلُوﭫْ الحـــاشده المضياﭭـه


يمكننا ـ استنادا إلى ما تقدّم ـ أن نطمئنّ إلى أمرين جوهريّين :

1.
لا مراء في أنّ الذّائقة قبلت شعر المرأة على استحياء، فقلّةٌ هنّ اللاّئي فرضن نسقا شعريّا فمثّلن استثناءات نادرة بل صار تفوّقهنّ مرتبطا ببراعة الرّجل .

2.
بان في المواجهة بين الشاعر والشّاعرة أنّ هناك نسقا رجاليا فرض نفسه فلم يبق إلاّ التّسليم ( وأفعال الأمر لها أكثر من دلالة ههنا ) وهو ما تستحسنه الذائقة مرّة أخرى حين تستعذب في المرأة عذابها والشّكوى، ولا تقبل من الرّجل إلاّ القول البهيّ النّاضجَ في مطابخ الحكمة والمرسلَ في مدارات التخييل.

لكنّ كلّ ما تقدّم لا يقيم الحجّة على تصوّر عام أو اتّجاه نهائي، وإنْ هي إلاّ قصيدةٌ تبيّنّا من خلال المحاورة الدائرة فيها ما تنعقد عليه تصوّرات المتلقّي لمكانة الرجل ( المتفوّق) والمرأة ( المقتفية لأثره )، فهل يمكننا تعديل هذه النظرة بتوسيع المدوّنةِ أكثرَ والنّظر إلى إبداع المرأة منفردا ( بعيدا عن هيمنة الرجل أوصايته حسّا ومعنى؟ ).

3
ـ في المدوّنة المعتمدة :

هي مدوّنة مفتوحة تنشأ من مهد المشافهة أساسا لتجد في النصوص المكتوبة توسيعا لها، لكننّي أنبّه إلى بعض الملاحظات المؤطِّرة لهذه المدوّنة:

لا بدّ من الاحتراز في شأن الرّواية الشفويّة وما قد يطرأ على البيت أو القصيدة من تحوير يلائم هوى الرّاوية أو المتلقّي.

إنّ المدى الزمني لهذه المدوّنة مفتوح أيضا فأقدم النّصوص يعود إلى القرن الثاني عشر للهجرة وأحدثها وليد أيّامنا، ويهمّنا هذا المدى المفتوح لرصد التطوّر في التجربة الشعريّة ومعرفة مقدار التغيّر.

تختلف المدوّنة ـ حجما ـ من البيت الواحد ، وهو الشّائع، إلى القصيدة التي تحتوي خمسة وعشرين بيتا، وهو النّادر، فالغالب على المختارات انتسابها إلى البيت المفرد أو النُّتفة.

اعتاد السّامع أو القارئ على أسماء الفحول من الشّعراء الذّكور، ويتطلّب الأمر أناة وصبرا لتعتاد الذائقة على أسماء النّساء الشواعر كفاطمة الشتوي وزينب بلحاج إبراهيم والعامرية بنت علي ومبروكة بنت عبدالعاطي ومبروكة الشرّادية ورﭬـيّة العمّاريّة ومباركة بنت علي بلحاج وغيرِهنّ، أمّا عن الشاعرات المجهولات فلا تسأل إذ تتكاثر في المدوّنة تلك الأبيات التي لا تُنسب لشاعرة بعينها ويكون مآلها في النهاية الانتسابَ للصّوت الجماعي.

سنحاول في ثنايا المداخلة ـ مشافهة أو بالتوثيق الكتابي ـ أن نلتزم على الدّوام بذكر صاحبة البيت أو القصيدة لكنّنا نتفهّم غياب مرجع ثابت لكثير من الشواهد كما هي الحال في كلّ ثقافة شفويّة يتهدّد الزّمن مكتباتها الرمزّية بالاحتراق كلّما توفّي واحد من الشّيوخ أو العجائز حفظةِ هذا التراث، وإنّ طموح هذه المداخلة مثلما هو همّ هذه الجمعيّة أن تنفض الغبار على كثير من المرويّ لتتعهّده بالحفظ والصّون والنّسبة الصّحيحة إلى قائليه من الرّجال والنّساء.

ليس خافيا على الدّارس للشّعر الشّعبي ما فيه من قِسمة ثلاثيّة يؤكّدها الأستاذ الباحث محمّد العيدي بلغيث[2] في الجرد التالي :

هناك أغراض رجالية : من نماذجها : الحداء – المتح أو التهيليم – جزّ الغنم – الحصاد - الشّني...

هناك أغراض نسائية : ومن نماذجها : النّواح والعني – أغاني العرس –– "الرُبَّاجْ" – أغاني الطهور – أغاني الرّحى – أغاني المنسج...

هناك أغراض مشتركة : ومن نماذجها الغزل والاجتماعيات...

وسنحاول في هذه المداخلة التركيز على المستوى الثاني ( وهو الذي يعنينا في المقام الأوّل ) وشيء من المستوى الثالث ( إذ فيه من اتّحاد الرؤية ما يجعل الإبداع الشعري إنسانيّا في نهاية المطاف ).

II
ـ السّمات العامّة لشعر النّساء :

قسّمنا هذه السّمات إلى مستويين : فنّي ومضموني وهذا المدخل هو الأسهل في تناول الظاهرة إذ فيه تلك المعادلةُ المستمرّة بين الدالّ والمدلول أو الشّكل والمضمون أو الأسلوب والمعنى ، ونحن ننبّه إلى وعينا بوجود مداخل أخرى ممكنةٍ للتّناول لا يمكن نفيُها أو الاعتراض على وجاهتها، لكنّ جدوى هذا التقسيم بارزة في توضيحه المستمرّ للتكافُؤِ أو عدم التكافؤ في تلك المعادلة الإبداعية ( ماذا نقول ؟ وبأيّ لغة نقول؟).

1
ـ الناحية الفنيّة :

ينهض المستوى الفنّي على عدّة ركائزَ لسنا معنيّين الآن بتصنيفها تفاضليّا، وإنّما الشأن هنا أن نضرب أمثلة على تجَسُّدِها الفعليّ في مدوّنة الشّعر النسائي.

v
السّمة الأولى : الإيجاز والاكتناز

لعلّها السّمةُ الأكثرُ هيمنةً فقد شاع في شعر النّساء البيتُ والبيتان والنتفةُ والقطعةُ الصّغيرة، ودون حاجة إلى الإحصاء يظفر الدّارسُ بعدد لا حصر له من الأبيات المفردة تشهد بالإيجاز والاكتناز والقدرة على اختصار القول المصوغ في ما قلّ من الألفاظ وما احتشد من المعاني وللنّساء في ذلك آياتٌ من البراعة، فالمرأة التي أغار أحد الرّجال المتنفّذين على ناقتها الوحيدة وباعها في بلاد بعيدة، وقف بعد مدّة في محفل من الرجال والنّساء يقوم بعادة النّقد ( "الرَّمْيْ" ) عقّبت بُعَيْدَ انصرافه بغناءِ بيتِ شعرٍ واحد لخّص القضيّة ليشفي النّفسَ من ظالمها :

ý
وْﭭوفْ المحافلْ في النّهارِ يْكِيدَكْ وْذِيلْ نَاﭭتِي دِيرَهْ مِنَشّهْ فِيدَكْ
ومهما ادّعى قومٌ أنّ هذه السّمة راجعة إلى قصر نَفَس المرأة أوعدم قدرتها على توسيع الأفق الإبداعي فإنّ ظاهرة الإيجاز تدلّ على براعة منشئ القول مهما كانت الأسباب الدّافعة إلى إيجازه، وقديما جعلت العربُ البلاغةَ في الإيجاز.
v
السّمة الثانية : الغنائيّة ( الإطراب والإشجاء )
ليس المقصود بالغنائيّة جانبَ الأداء فحسب، بل ما يتوفّر في الأبيات المفردة والمقطّعات الصغيرة من شجن خاصّ مجبول من هوى النّفس ولواعج الشّوق. ثمّة إذن ما يدفع إلى الاعتقاد بأنّه مهما كان المعنى بسيطا عاريا من البلاغة أوالصّورة التخيليّة الرّفيعة فإنّ سامعها يقف مشدودا أمام دغدغتها لحلمه وملامستِها لشغاف نفسه من باب الإيقاع قبل المضامين:

شاعرة أولى :

يا سي علي طُلُبَتْ عليكْ النّاﭭَـهْ *** ﭭِدَا وين حطّ المزن والبرّاﭭـة
طلبت عليك اللمّه *** نياﭫْ فاطمهْ الأسْبَط ْمْخَضَّبْ فَمَّه
تْوَرِّدْ على بِيرْ الطْوِيلْ وْجَمَّه ***وْمُرْوَاحْها كِيفْ تِرِسْمِ العُلاّقه

شاعرة ثانية :

لو كان نشكي للحَجَرْ يِعْذِرْنِي وْيِـﭭسِمْ معاي الوَحَشْ وِيْصَبِّرْني


شاعرة ثالثة

المَاتُورْ ﭭلبي والعجل كرعيّا ليا جيت مسـﭭـّد ﭭدا غاليّا



v
السّمة الثالثة : توظيف الحكمة :

بدت الحكمة في المتصوّر التقليديّ سليلة القول الرجاليّ، لكنّ تأمّلنا لهذه النماذج من المدوّنة يبرز الإلحاح على القول الحكمي، وقد تكون ظاهرة البيت المفرد دافعة إلى هذا الحشد القولي يختزل فيض المعاني فيكون مجمع الدّلالة ومهبط العقل الرّاجح ومن نماذجه :

موش راجلي وماهيش دار مـﭭامي ....... غيرْ في الجّبين مسطّراتْ أيامي


صَبْرِنْ صِبَرْتَه بالفِرَجْ لـْﭭِيتَه وْزُولِنْ فـِﭭَدّته إنزادلي سَمِّيتَه ( الشرّادية )
والعلّة في ميل المرأة إلى الحكمة أنّ أهلنا اعتقدوا باستمرار أنّ الشّعرَ "مُوجْعَه"، وثمّة جزء من الوجيعة يفرز القول الحكيم الرّاجح دون شكّ، فهذه المرأة التي التاعت لفقد ابنها البكر وجدت في حفيدها ـ ابن أخ المتوفّى ـ ملاذا لترسيخ حكمة الدّهر فـ"الصّبر مفتاح الفرج" وما مات من "خلّى النّبات" والاسم كفيل بإعادة السّيرة والمسيرة.
v
السّمة الرّابعة : سهولة العبارة
اللاّفت للانتباه في المقاربة النّسائيّة للشّعر إرسالُه ـ عادة ـ على السجيّة وعدم التكلّف في جلّ الشّواهد التي اتّخذناها منطلقا، بل إنّ للشّاعرات ولعًا متعاظما باللّفظ القريب والعبارة الميسورة، فقلّما احتاج السّامع أو القارئ إلى الاستنجاد بمعجم لفكّ مغاليق الكلم، والحجّة في ذلك أنّ أقدم نصوص المدوّنة ـ ويرقى إلى أكثر من قرنين ـ قد صِيغَ بلغةٍ غلبت على مفرداتها البساطة وقرب المأخذ : ومن نماذجه
طلبتْ عليك تـْﭭبِّلْ
ﭭدا وين عِشْبِ الوادْ جِي مِتْخَبِّلْ ***ممطورْ لا ناشه الشّْهيلِي تذَبَّلْ ***في خشوشْ مارس ريحته نشّاﭭـه

أمّا عجوز هذه الأيّام[3] فتنعى حظَّ البدن بزوال الصحّة وتهدّم العمر وهي تمارس عملها الفلاحي المعتاد في "الغابة":
نحشّ باركه ما ﭭادْرَه نِتْحَوّلْ *** نْـﭭَصْتِ السّْنِي يَاسِرْ على عَمْنَوَّلْ

v
السّمة الخامسة : قرب الصّورة
ونعني بذلك ضعف التخييل وعدمَ تعميق الجوانب التخييليّة في الصّورة الشعريّة وأقصى ما يتوفّر في هذا المنحى ذلك التشبيه للمحسوس بالمحسوس أو للمجرّد بالمحسوس في حين تغيب الاستعارة وفنون المجاز تاركة للتّقرير المباشر مَهْيَعًا واسعا لبناء الصّورة البسيطة، ولكننّا وجدنا شاهدين مثـّلا الاستثناء :
الأول : هو تلك المحاورة بين الرّجل وزوجته حين بلغت كليهما أخبار لا تسرّ عن وفائهما وإخلاصهما وهما في حال البعد
هو: جاني خَبَرْ مِنِّكْ يْدِيرْ الرُّوعَـــــــه نـِﭭـَعْ فارْ في زيتِكْ حْرِمْ بْيُوعَــــــه
هي : بَدَّلِتْ ﭭمحَك بالشّعير الهــــــافي عـَﭭـَابْ مَنْدرَه ماهوش حتّى صافي
هو: ﭭمحك عجيلي صحيح ثابت قولك لكن هواه السّوسْ بَـــــــدّلْ هُولِكْ
إنّ كلمات من قبيل ( فار / زيت / ﭬـمح / شعير هافي / عقاب مندره / السّوس...) محمولة على المجاز قطعا.
الثاني : قول امرأة اعتادت موت مواليدها في المهد، فصارت تُكَلََّف بكلّ الأعمال التي تُخَفَّفُ عن باقي النّساء أوانَ الحمل والإرضاع، فشبّهت نفسها بالنّاقة التي لم تنجب أو مات فصيلها :
فْرُوﭫْ فرّقك ربّي مْنِ الصّرْعُوفه *** وخلاّكْ مَهْريَّةْ طْوَاشِمْ كُوفَه ( العامريّة بنت علي بنعلي )

لكنّنا على يقين بأنّ وجود مثل هذه الأبيات في المدوّنة النسائيّة قليل.
v
السّمة السّادسة : الميل إلى التّرميز والإيحاء
لا شكّ في أنّ جملةً من الزواجر والنّواهي تدفع المرأة إلى تغليف الكلام بحُجب الرّمز لمطاولة الرّقيب وفتح سبلٍ للقول تخرجه من مضائقه فلا يكون التّصريح إلاّ لمحا ولا تتمّ المكاشفة إلاّ إيماءً ومن نماذج ذلك قول المرأة الشابّة وقد نُصحت بتغيير زوجها المسنّ :
قالوا : جملك شاب وإحداب وما عاد يـﭭدرعلاشي ***بيعيه يا صاقــل النّاب واشري بحـﭭـّه حــــواشي
فقالت :لا زَرِيْطَتْ رُوصْ الأكتاب وعاد الإمْعاشي يعاشي ***حِمْلِ الجِّمَلْ شَارْخِ النّابْ ما تـﭭدراش الحواشي

أو قول المرأة التي لاحظت مجموعة من كبار السنّ يمارسون في العرس فعل "الرّمي" وقوفا بدل "نوبة" العادة جلوسا فقالت ساخرة منهم على لسان أحدهم :

شوابين كنّا ﭭاعدين وﭭفنا ***زعمه رِجَعْ الصُّغُرْ ولاّ خْرِفْنَا
ولا تخفى في البيت اللّمحة السّاخرة ترميزا لمن تهدّم عمره أو كاد لكنّه يصطنع أفاعيل الصبيان والشبّان.
ومن الشواهد المشهورة في هذا السّياق قول الشابّة التي توفّي حبيبها فجأة :
ياوالدي جِرْيَنْ عليّ قْصَايصْ ..... عُمْتِ البحر لزرﭫ ومات الرّايس

أو قول الأخرى وقد أنكرت من تزوّجته دون أن يكون لها في حبّه أربٌ :

حَدِيدْ شِيرْكُو مَاكِشْ حَدِيدِ مْنَاجِـــــلْ ...... غِيرْ من عَوَجْ ليّامْ دِرْتَكْ رَاجِـــلْ

أمّا ألطف ما عثرنا عليه في باب الرّمز والإيحاء فيهمّ المسكوت عنه جنسيا بين الرّجل والمرأة حين تتعطّل وظيفة المساكنة واللّباس، والمتضرّرة التي لا تُعذر هي المرأة فليس لها من حلٍّ إلاّ النصّ الرّمزي تبوح فيه بالمكنون لتنال مرغوبها وتستعيد حرّيتها ( بالطّلاق )
أني داي ما تـﭭدر جْمَالْ تـﭭلّه *** سحن كبدتي تاسع سِنِي بالهلّة
أني داي موشي داكم *** ومعناي ما جاشي على معناكم
أني داي لا صادف ﭭلوب نساكم *** يرﭭـّـﭫ حْدَاهُمْ[4] لن يصيروا للّه
لا تقّدراش بغوله *** ولا تـﭭدره تونس الكلّ مجموله
أني الـﭭفل عندي واعرات شغوله ***المفتاح فاسد ما بغاش يحلّه
ما يـﭭدراشِي باشا ***ولا يـﭭدراشْ حسين فوﭫ فراشه
ساﭭط على ﭭلبي كما الفتّاشه ***يحوّم على عرﭫ الحياة ويسلّه
لا يـﭭدروشي ناسي *** ولا يـﭭدراش حسين فوق كراسي
مُوثـَﭫْ مشلّخ والوطا زبّاسي ***رزامه خفيفه وين ضُرُبَتْ ولّى
الخلاصة :

نستطيع رسم خطاطة عامّة لمسارات الإبداع النسائي من النّاحية الشّكلية وهي لا تخرج مهما شذّت عن النقاط الستّ التي ذكرنا، فلا إبداع للمرأة خارج دوائر القول الموجز الموظِّف للحكمة في غنائيّة أخّاذة تجلبها العبارة السهلة والصّورة القريبة مع الميل الجليّ إلى الترميز والإيحاء...

2
ـ الناحية المضمونيّة :

تعرّضنا إلى ستّ خصائصَ تميّز شعر المرأة من الناحية الفنيّة، ويمكننا التعرّض لنصفها من الناحية المضمونيّة وهذا الرّقم دالٌّ في المستوى الإبداعي ويرجعنا مرّة أخرى إلى ضيق مجالات القول عند النّساء ـ إذا ما قُورنت بالرّجل ـ وإلى غلبة الانطلاق من المعيش ( في تفوّق الواقع على الخيال ) والميل الجليّ إلى الوجدان مع كثرة الإفراط في الشكوى :

v
السّمة الأولى : غلبة الانطلاق من المعيش (تفوّق الواقع على الخيال)

من البديهي أن نتفهّم توجّها عامّا نحو الانطلاق من المعيش وما يقتضي من تفوّق للواقع على التخييل فالمرأة التي نتحدّث عنها لم تتعلّم ولم تسافر ولم ينفتح لها أفقُ الإبداع إلاّ نادرا، فبقي القولُ لديها دائرا في فلك اليوميّ وما يفرز من ضوضاء وشحناء قد لا تنتج الشعريّة في مداراتها التي أدركها الفحول ( البرغوثي / الطويل / بوخفّ /...)، وقد توفّر في المدوّنة المعتمَدة كثير من الشّواهد الدالّة على انتصار اليومي في تفاصيله الدقيقة أو البسيطة أو السّاذَجة ومن نماذجه:

في الغزل :

الحولي جريدي وبُلُغتَه مَرْزُوﭬـي ...... ذْهَبْ شيرتي وْطِرْبَتْ معاه خلوﭬـي

السرج فضّه و الفرس مريوحه ...... ياناس خلّوله الطّريق لرّوحــــــه

أني جيت وين الصّبح تزرق سمسه ....... ولحباب في وين العشيّة تمسى


في مخاطبة الرّحى :

رحاة أربعة ماكش رحاة ثلاثة *** رحاةْ سَلِطنَه تصعب على العيّاشه

رحاة أربعة ولاّ ثلاثه ﭭـُدّرْ *** وتشبح خجلهم ع الدّﭭيـﭫ مْحدّر

تستاهلي ﭭِطبة ذهب وسَلْسَه *** العيلة كبيرة والكِنَايِنْ خمسه
القمح تلّي والرّحى كرواطه *** والليل عـﭬب والهلال تْوَاطَى


في مخاطبة المنسج:

يامنسدي لو كان فيك أخواتي *** ثِنْتِينْ شُـﭭـه يَنِهْضَنْ غَلْبَاتي
يا منسدي لو كان فيك الشُـﭭـّه *** ﭭبل التّماسي عْليّمَك يِتَـﭭـّى
يا مِنِسْدي لو كان فيك ثلاثه *** ذراعين والثالث يْخَشِّشْ راسه
يا منسدي لو كان فيك رْبَاعَه *** يِعْجِلْ عليّ يِنـْﭭِلِعْ في ساعه
ومنينهن بِعدَنْ على رِدَّاتِي *** الصّبر للّه يا نظيف أصباعه


على أننّا عثرنا على نصّ فريد في بابه ويكاد يكسر وهم المباشرة كسرا عنيفا بفضل إيغاله في التخييل وتعميق الصّورة الشعريّة الفاتنة والنصّ للمرحومة زينب بلحاج إبراهيم وقد قالته برماده سنة 1963 إثر الزّواج عليها :

باللّه يالّلي مـــــــــرتـــاح *** تفسّرش شَيِّنْ جرالـــــــي
بلا قهر لُحْنَا السّــــــــلاحْ*** و فتنا المساند لتـــالــــــي
هبط أمر و خرج بــــرّاح ***و ﭭالوا السّلب في الحوالي
عالوطن يلزمش كفـــــاح *** العديان دالوا أمحـــالــــي
أني فاتني الحال نرتــــاح *** ما عاد نطلب سوالــــــــي
لباسك ليا باد يلتـــــــــــاح ***و يرخص ليا كان غـــالـــي
جرالي كما الواد لا شــــاح ***بدت عشبته شوك بـالــــي
وﭭداه مـــا تمدّ ســـــــرّاح *** و لا يرتعه هوش فــــالـــي
و لا يـﭭطعه نجع ينـــــزاح *** و لاحذاه صهوة نزالـــــي
بكري منين كان مشكــور*** مسكن الظاهر الغــــالـــــي
مطهوم في الوﭭت ممطور*** مسيول موت اللّيــــــالـــــي
و ليّام وأوﭭاتــــهــــا إدّور*** و يتلاحقوا بالتــــــوالـــــي
ساعات نبده فــــــي برور ***و انهــــاج و البني عــالــي
وساعات لنّي في جبـــــال *** عثاعيث و الفجّ خـــالــــي
و ساعـــات لنّي مدكــــوم ***مكدور و الـﭭلب مــــالـــــي
و ساعات لنّي جاﭭــــــــات ***لا همّتـــــي ولا غدالــــــي


فما الذي يغرينا في هذا النصّ ليجعله ـ في نظرنا ـ فاتنا؟

إنّ بلاغة التعبير نابعة من مخالفة السّائد بتعويم العبارة وتغليف القصد والالتجاء إلى الرّمز الموحي، فما كان موضوعا اجتماعيا مطروقا مأنوسا تحوّل إلى أثر فنّي فيه لذّة المجاز حين صار " السّلب في الحوالي"، وفيه كالمعتاد الحكمة المذهلة :

لباسك ليا باد يلتـــــــــــاح *** و يرخص ليا كان غـــالـــي

وفيه التشبيه بشتّى صوره وبه ومعه صارت المرأة " كما الواد لا شــــاح " ولم تنس الالتفاتة الفاتنة إلى "أيّام بكري"

بكري منين كان مشكــور ***مسكن الظاهر الغــــالـــــي
مطهوم في الوﭭت ممطور *** مسيول موت اللّيــــــالـــــي


هذا الرّواء من تلك الأنوثة والمرأة والأرض في بلاغة النصّ القرآني حرث للرّجل أدركته بلحاج إبراهيم باللّمح الخاطف حين أجدب الجسد وذهبت الزينات فصارت اللوعة على الحقيقة والمجاز.

v
السمة الثانية : غلبة الجانب الوجداني

لن نضيف جديد إذا جزمنا بأنّ شعر المرأة محمول على غزارة العاطفة والتناول الوجداني والتّعاطي العفوي، وإذا صحّ هذا، وهو صحيح، فإنّ ما يُروى في هذا السياق يقيم الحجّةَ على أنّ المرأة نادرا ما استطاعت تجاوز لحظة المكاشفة الشعريّة الأولى إلى التأمّل الواعي، ولسنا متناقضين حين أبرزنا في القسم الأسلوبيّ وجودَ الحكمة فليس القول الحكمي إلاّ ترديدا لما كرّسته الجماعة وأورثته لأفرادها.

كثيرة هي النماذج الدالّة على الفيض الوجداني ولنا في هذه الأمثلة دليل :

يمحا الكراهب يـﭭطعه مَعْمَلْهَا *** هَزّتْ الوَدّه وِينْ مَا نُوصِلْها

مبروكة بنت محمد بلحاج إبراهيم ( الشرّادية)

بْعِدْ زُولْ مِنْ ترفع عْمَايَ الطيّهْ *** في السّوﭫْ نِزِلَتْ ﭭِبْلْةِ الحامّية ( العيديّة بنت الحاج عبدالله)

العينْ ساهره والـﭭـلب شعلت ناره ***عل زول إيده مـﭬسّمه شطّاره

للّة بناتي يُوجْعِكْشِي حالي *** اشْتِـﭭتِ الجِّمَلْ وِإيدِيـــــنْ زَهْوَةْ بالي
(
للعامرية بنعلي ترثي حال ابنها الذي بُترت يدُه والجمل الذي قضى )

المساهمة في شعر الكفاح التحريري:

رقيّة بنت ناجي حين قبضت فرنسا على شقيقها محمّد الصغيّر بن ناجي وأودعته السّجن وعذّبته :

المولى يفزع نرعي فيه *** محمّد ﭬفلوا الحبس عليه
تفزع وتحلّه *** مربوط ومشدود بغـُلّه
أني جسمي عَلّه *** ونومي في الليل مشـﭬيه
حبسه مـﭬفول *** وأفزع يا جدّي معجول
بجاه الرّسول *** تحلّه وتروّحلي بيه
الأعدا حازاته *** في حبس مظلّم داراته
يحكولي النّاس اللّي راته *** حديده لين قاطع في يديه
قالوا بحديده *** ولد أمّي لن ﭬاطع فيده
عليه ﭬلبي دركه وتنهيده *** وغبنانه لين نلاﭬيه


مبروكة بنت عبدالعاطي

نـﭭـّي يا عين بعد العيد وعبدالله *** راحو لثنين واحد منهم لا ولّى
نـﭭـّي يا عين عل عبدالله ورفيـﭭـه *** خلّوا شوابين بين السّامر ولهيبه


ولها أيضا :

أحّيه بيني عل زول حمد ضربوه رقد *** ودمّه عل الأرض مبدّد
ما أكثرها كيّة منين طاح الصّادق ووخيّه *** ولد السّلميّة ناره في الجّاش تْوَﭭِدْ


للشرّادية قول بعد العودة من تونس:فقد قال أحدهم:

هانا رحلنا يا بلاد تهنّي *** غير أعمري كانا خرابك منّي
وردّت هي بالقول :
هانا رجعنا يا بلاد تهنّي *** غير نوّري كانا ربيعك منّي


وفي المرويّ شفويا قول إحدى النساء :

اللّي خذت تاخذ وْلَدْ مُعلّم *** واللّي خذت سوفيل فيه تسلّم



v
السمة الثالثة : الإفراط في الشكوى
ليس بدعا أن يُنسب فعل البكاء إلى المرأة ولنا في التّاريخ الأدبي ما يُظهر ولع الخنساء بالبكاء حتّى صار عقيدة، فإذا أضفنا إلى الأمر ما تعانيه المرأة في مرتبتها الاجتماعية من جور وظلم بان للسّامع والقارئ معا مقدارُ تضخّم المدوّنة في باب التشكّي والتظلّم وإبراز مواجع الذّات في مسارب كثيرة قد تستعصي أحيانا على الحصر ولذلك سنكتفي بتدوين بعض النماذج :

شكوى الفقر :

عامين ما ونّت رِحَى في داري *** وما حَلّـﭭوش على النّعيم صْغَارِي
ﭭصَدناكْ ما لـﭭيناك وَﭭتِ الحَزّه *** حفرناك نلـْﭭـُوا ثراك ناشف نزّه


لمباركة بنت علي بلحاج الصبّاغ شكوى البعد عن فلذات الكبد:

يا لندرا وين رحلوا ويا لندرا وين ﭬـاموا *** وﭭت الغَدي تـﭭول مدّوا ووﭭت العَشي تـﭭول ناموا
على الكبد درت الخشم تحت الزّبلة *** نصلّي مْغَرِّبْ والصّلا للـﭭبلة
همين في القلب المشوم احتلـــــوا *** ويشرّقوا ويغرّبوا ويولــّــوا
رقيّة العمّارية

وقد ردّ عليها الشاعر علي لسود ببراعة حين قال

خلــّــت الناس وصيّه *** الصبر مفتاح الفرج يا رقيّه
أني عارفك إنت غنيّة عليّ *** عندك تجارب يكثروا وإيـﭭلــّــوا
كلّ صبحْ بعده ﭭايلة وعشيّة *** وكلّ ليل بعده أنوار فجر إيهلــّــوا

شكوى الزّوج القاسي

ذهب شيرتي ضرب العصا ورنينه *** سواد خدّ من كان الـﭭمر ف جبينه
هزّ العصا وﭭتلني *** ويحلّ فمّه يسبّني وينعلني
لاه الولد للحجّ تا يوصّلني *** نَحْمَلْ عليه الّرُّخُصْ والتّضْغِينَه
لومي على سيدي يْخِفْ يُوصلني *** نصب حافنا شرﭭـي الثّمِدْ حطّينا
( مبروكة بنت عبدالعاطي )


شكوى الحياة الزوجية المرّة :

موش راجلي وما هيش دار ركاحي ...... غير طلّقوني نعرفه مطراحــــي

رخِصْ الحرير وْبَارْ في ميـــــــزانه ....... طْمِعْ فيه بوكشّاش مَدّ لـْـسانَه

بْعَيِّرْ دِبَشْ ماكش جْمَلْ إهْدَادَه *** حَرِيـﭭَـة جِرَبْ لا دُورْ لا رُفّادَه

شكوى الضّيم وحياة العبوديّة:

رمضان والحازر ونزرة عمّي *** هنّ الثلاثة نزّحلّي دمّي


شكوى مفارقة الزّوج على غير إرادة :

أحّيه ما أمرّ الغلب يا بيني *** من المحفظه سلّوه مرود عيني


شكوى عدم التوافق مع الزوج في السنّ :

من باعني بالرّبح ﭭلّل ربحه *** خلّى نديدي وباعني لبوسبحه
من باعني بالفيد ﭭلّل فيده *** خلّى نديدي وباعني لنديده
ما هناش ما ثمّاش ما كش لاﭭـي *** رشراش ما تحمّلش منك سواﭭـي
خلّى نديدي وودّني لنديده *** وحتّى خذاه المال وآش يفيده

شكوى الذّات وبيان مقدار جهلها:

وعّيت قلبي ما بغي يستاعه *** كليت حنظله نحسابها دلاّعه
( خديجة الدعوية )


شكوى الأيام وجور الزّمان

ﭭلبي إطّرشـﭫ بفدّه *** ويا خالـﭭـي الرّوح هانت
واللي مضى ما نعدّه *** و نـﭭول ليّام كانت
وياتي الرّخى بعد شدّه *** وما ضاﭭت إلاّ وهانت

ولا أريد لهذه المداخلة اختتاما إلاّ بما يشترك فيه الرّجل مع المرأة وذلك بتكريم المرأة التي أنجبت للجهة شاعرين من الأفذاذ وهي رقيّة السّودة فقد أرسل الشاعر محمّد بن علي بن عمر بن إبراهيم ( شُهر ولد رقيّه السّوده ) إلى شقيقه الشّاعر الفحل إبراهيم بن علي القصيده التالية :

جتكمش بعدي الوالده طلّتشي
ولاّ مشت لدار ما ولّتشي
جتكمش رجعت غادي
ولّتش ڤات ننكف نشوف ولادي
وصّتش ڤات خلّوا فطور الهادي
راهو عليه النّاس ما هنّتشي
وتنشد عليّ أني وين بلادي
تشوف فاطمه عل وحشها صبرتشي

لكنّ إبراهيم ولد رڤيّه السّوده لم يقو على الردّ وفوّض الأمر إلى الشّاعر علي لسود المرزوقي لما بينهما من علاقة قويّة فقال في ذلك :

لا جت لا ريناها
لا تفـﭭدت منهم عزاز عليها
لا شافها الهادي ڤعد حذاها
لتو بنتها فطّوم ما صبرتشي
تغرّد مثيل حوار عل سبّاها
ويمكن عليها حكم ما ڤدّتشي
*****
حكمت عليها حكومه
سوا من غضب ولاّ رْضِيْ يرومه
حكم خالڤي كلّ حدّ يومه يومه
يا نفس تلڤي كان ما فرّشتي
مليوع ڤبلك كبدتي مڤسومه
في والدي ما لڤيت مفتي يفتي
**
جوابن بعثته جاني
نرجّع مثيله ڤول له معاني
أوّل بدي كلّ من عليها فاني
كثر البكي يا أخي ما ينفعشي

وثاني بدي مات النبي العدناني
سوى هوّ ثمّاشي نبي يشفعشي

III ـ تأليف وخلاصات عامّة

1)
إنّ جلّ ما تقدّم لا يمثّل دراسة علميّة بالمعنى الأكاديمي للكلمة بقدر ما هو مدخل حاول أن يتحسّس الاتّجاهات العامّة في هذا اللون من الشّعر.

2)
لا شكّ في أنّ نتائج هذا البحث واستتباعاته منهجا وأفكارا ستتغيّر بتغيّر المدوّنة من جهة المحتوى كمًّا.

3)
تبقى بعض تعبيرات الشعر النسائي عصيّة على التدوين والتداول لما فيها من ممنوع ومحظور.

4)
يحتاج التقصّي العلمي جمع مدوّنة أكبر وتوسيع الأفق نحو شعر النّساء في جهات أخرى على سبيل المقارنة .

5)
لا بدّ من التفكير ـ بعد جمع المدوّنة ـ في إصدارها مكتوبة في عمل دوري أو كتاب مستقلّ.

6)
توجد في الشّعر الشعبي ألوان من المساجلات بين الرّجال والنّساء حريّ بالدّارسين إيلاؤها عناية خاصّة لما فيها من توثيق للجانب الاجتماعي.

الشريف بن محمّد

باحث مهتمّ بالشعر الشّعبي / متفقّد تعليم ثانوي



v المراجع المكتوبة


ـ محمّد المرزوقي : الأدب الشعبي / ثورة المرازيق

ـ Gilbert Boris :documents linguistiques et ethnographiques sur une région du sud tunisien (nefzaoua)

v
ثبت في الرّواة والمصادر الشفوية :

ـ الشاعر بلقاسم عبداللطيف

ـ الشاعر علي لسود

ـ الشاعر توفيق الصغيّر ( مدوّنة نجمة عقاب الليل )

ـ الباحث محمّد العيدي بلغيث

ـ الباحث أبوناظم المرزوقي ( مرصد الذاكرة الشعبيّة )

ـ الفنّان صالح الصويعي المرزوقي

ـ بلحسن بن مرزوق.

ـ ولفيف من النّساء آثرن التكتّم على أسمائهنّ

v
أسماء الشاعرات اللائي ورد ذكرهنّ في البحث :

مسعودة عبدالملك / فاطمة الشتوي / زينب بنت محمد بلحاج إبراهيم / العامرية بنت عل بنعلي / مبروكة بنت عبدالعاطي / مبروكة بنت محمد بلحاج إبراهيم ( الشرّادية ) / رﭬـيّة العمّاريّة / مباركة بنت علي بلحاج / العيديّة بنت الحاج عبدالله / خديجه الدعويّة...

[1]
ـ يوجد النصّ كاملا ضمن ملاحق المداخلة.

[2]
ـ صاحب كتاب "الرّحلة في الأدب الشعبي" ، وإليه يعود الفضلُ في اقتناعنا بوجاهة الاعتناء بالمأثور الشعبي والسّعي إلى جمعه ودراسته.

[3]
ـ هي فاطمة البرغوثية ابنة أخ أحمد البرغوثي

[4] "
حداهم" في العامّية تعني الثياب وهي هنا كناية عن الجسد الذي تستره الثياب.