vendredi 16 juillet 2010

الدكتور محمد لحول : الزوايا والطرق الصوفية بالبلاد التونسية - منطقة دوز* عيّنة - جزء 3




) الطّرق الصوفيّة

أ . الطريقة القادريّة(1) بنويل (2):

تمثّل زاوية نويّل مركزا هامّا لهذه الطريقة فبعد أن كان القائم على الزاوية وهو الشيخ عمران في رتبة مقدّم راجعا بالنظر إلى الزاوية القادريّة بتوزر ارتقى إلى رتبة شيخ بعد أن قلّده شيخ الطريقة القادريّة بتوزر المشيخة بقوله " الشيخ ما يعلّم شيخ" وقد توفّي الشيخ عمران في أواخر السبعينات وأقيم له ضريح بزاوية نويّل وخلفه ابنه المداني على المشيخة أي على الولاية الروحية كما أصبحت ابنته حليمة وكيلة على فرع "الدالية" أي مشرفة على المداخيل والتنظيم المادي للزردة السنوية وأصبحت الطريقة القادريّة بنويل مستقلّة بذاتها لها إشعاع خاصّة على منطقة الفوّار (3) ويقوم المعتقدون في بركة هذه "الزردة" بزيارة هذا المكان والإقامة به في فترات مختلفة من السنة قصد التبرّك أو طلبا للشفاء.

وتقيم الطريقة القادريّة بنويل "زردة" سنويّة بمكان بعيد عن القرية يعرف بـ"الدالية"(4) وقد

ـــــــــــــــــ

(1) عن القادرية انظر: مخلوف، شجرة النور الزكية، ص 164.

(2) يشرف على الزاوية والطريقة عائلة القوادر الذين ينتسبون إلى سيدي عمر عبد الجواد دفين قفصة.

(3) تقع على مسافة 42 كلم غربي دوز وتقام بهذه المنطقة "زردات" كثيرة في شهر سبتمبر من كل سنة (انظر جدولا في ذلك في الملاحق) مع الإشارة إلى أن هناك "زردة" لافتة وهي زردة "سبعة رقود" إذ تقام حضرة على الطريقة القادريّة بعيدا عن مواطن العمران بين كثبان الرّمال قرب بئر وتذبح أثناءها ناقة بيضاء وشياه كثيرة ويفد على هذه "الزردة" عدد كبير من الناس خاصّة من منطقة غريب ومن الجريد.

(4) مكان قفر تحيط به الرمال يقع على مسافة 12 كلم جنوبي دوز توجد به بئر وغرفتان إحداهما لإيواء الزوّار والثانية لوضع الملابس والأدوات النسائيّة المهداة إلى "الدالية" وهي أساسا أحزمة صوفية إذ تذهب الأسطورة إلى أنّ "الدالية" هربت يوم زفافها إلى هذا المكان من منطقة قفصة أو الجزائر صحبة أربعين فتاة عذراء في أبهى زينة قصد التبتّل والتعبّد ولمّا عطشن في الصحراء أرضعتهن الدالية حماية لهن واختفين بين الرمال وبقيت آثارهنّ ظاهرة ومن حين إلى آخر تسمع جلبتهن داخل الأرض حسب المعتقد السائد.

نشطت هذه "الزردة" وراج صيتها في منتصف السبعينات(1) وعرفت إقبالا حينئذ من أصناف متعددّة من الناس، فصنف من الناس يأتي إلى الدالية اعتقادا وتبرّكا وصنف آخر حبّا للاطلاع وصنف ثالث رغبة في الخروج من القيود الاجتماعية وطلبا للاختلاط والتعارف.

ويشترك الجميع في الرغبة في الخروج عن المألوف وبناء علاقات اجتماعيّة وقبليّة ولو ظرفيّا يتساوى فيها الجميع (2).

ب . الطريقة القادريّة بالقلعة:

كما نجد طريقة قادريّة ببلدة القلعة وهي متفرعة عن الطريقة القادريّة بنفطة و قد توارثت عائلة الحاج عمر بن علي القلعاوي رتبة مقدّم بتزكية من شيخ القادريّة بنفطة(3) ويتم التقديم بقراءة الفاتحة وتسليم الراية ويؤكّد مقدّم القلعة الحالي(4) أن طريقته لم تقم "الزردة" السنويّة منذ خمس سنوات وقد سبق لها أن أقامت ثلاث زردات منذ سنة 1973 منها اثنتان بأم الصمعة بسوق الأحد، ويبرّر ذلك بتعدد المعترضين عليها، وقد نتج عن ذلك نقص الموارد الماديّة للطريقة ولمقدّمها حتما لأنّه يحصل على ربع مداخيل الزاوية ويتصرّف فيه ويرسل الباقي إلى الطريقة الأم.

ولطريقة القلعة سفائن أو قصائد في مدح عبد القادر الجيلاني وبعضها من تأليف أتباع الطريقة المحلية بلهجة دارجة.

وتعتمد الطريقتان القادريتان بنويل والقلعة في الحصول على موارد إضافيّة عن طريق ادعاء معالجة بعض الأمراض مثل الصرع (5) أو عن طريق النظر في الطالع والحظ اعتمادا مثلا على كتاب أبي معشر الفلكي الكبير في البروج وكتاب "في الطب والرحمة" للسيوطي وكتاب حول خط الرمل (الدقازة). وتعتمد قادرية القلعة على النظر في "الزميطة" أي البسيسة قصد الكشف عن الأمراض الخفية، وتتميّز طريقة نويل في علاج بعض الأمراض باعتماد "اللاّئذة" وهي شاة ذات لون

ـــــــــــــــــ

(1) هذه الفترة هامّة في تاريخ البلاد التونسيّة ولا نستغرب ما عرفته الطريقة القادريّة بنويل من حركيّة إذا علمنا أنّ حركة ما يعرف بالإسلام السياسي عقدت مؤتمرها التأسيسي بنويل سنة 1974 وفي السنة ذاتها ومقابل ذلك تم الكشف عن حركة سرية قومية بدوز عرفت "بجماعة دوز" وتمت محاكمة أعضائها.

(2)من الطقوس أن لحوم الشياه المهداة إلى "الدالية" توزّع بالتساوي على كلّ الحاضرين بدون استثناء أو تمييز.

(3) انظر الوثيقة في الملاحق.

(4) تحصل الجيلاني على التقديم سنة 1990 وهو مقدم في داره كما يقول أي ليس لطريقته مقر مخصص.

(5) عادة ما تكون الأمراض المعالجة ذات سبب نفسي.

مخصوص تمرّر على بطن المريض ثم على ظهره فإذا داخت الشاة فإن ذلك علامة على الشفاء، مع تأكيد الطريقتين على أن القرآن يمثّل في حالات عدة شفاء.

وتشترك الطريقتان في السماح للمرأة بالمشاركة في بعض شطحات الحضرة على خلاف الطريقة العيساويّة وقد يفسّر هذا إلى حدّ ما انتشار الطريقة القادريّة بين عدد كبير من الأتباع.

ولئن كان المرازيق لا ينتمون إلى الطريقة القادريّة فإن الكثير منهم يعتقد في كرامات عبد القادر الجيلاني وسرعة نجدته للملهوف. ونجد عدد القصائد الشعبيّة التي تمجّد هذا العلم الصوفي وتتغنّى بفضائله وعادة ما يهب الرعاة أوّل جدي يولد بالغنم في مفتتح كلّ موسم فلاحي جديد ويكون ذلك في نهاية فصل الشتاء ويطلق على الجدي اسم "جدي سيدي عبد القادر" ويقدّم عند أوّل زيارة عاديّة هديّة إلى "الدالية" فيذبح ويوزّع لحمه بالتساوي بين كـلّ الحاضرين وعادة ما تتمّ هذه الزيارة قبيل العودة والاستقرار بالمدينة خلال فصلي الخريف والشتاء.

ج . الطريقة العيساويّة (1) بالقلعة :

لا تختلف هذه الطريقة في طقوسها عن بقيّة الطرق العيساوية بالبلاد التونسيّة وتنتسب مثلها إلى الشيخ محمد بن عيسى من مكناس بالمغرب الأقصى(2) وتنتظم حضراتها مرّتين في الأسبوع مساءي الاثنين و الجمعة كما أنّها تقيم بعض الحضرات عند الطلب في حفلات الختان والأعراس دون مقابل مالي كما يؤكّد على ذلك مقدّم الطريقة(3).

ولا يتمّ انتساب المريد إلى الطريقة المذكورة إلاّ بعد مباركة المقدّم له عن طريق "التعشيق" أي قبول انتساب المريد إلى الطريقة بعد توفر شروط الطهارة والصلاة والتقوى ثم وضع اليد في يد المقدم وقراءة الفاتحة والإخلاص والمعوذتين ثم يتولى المريد قراءة العهد ونصه: "أعاهد الله والشاهد الله لا مبدل ولا مغير إلى الممـات في طريقتي " ويحـدد "طريقة" أي نوع "الشطحة" التي يقوم

ـــــــــــــــــ

(1) عن العيساوية : انظر العجيلي التليلي، الطرق، ص 56 ويعتبرها فرعا من القادرية ص 46.

(2) انظر شجرة النسب في الملاحق.

(3) لا يحتفظ المقدّم بجزء من الأموال والهدايا التي تقدّم إلى الزاوية كما هو الشأن بالنسبة إلى الطريقة القادريّة بل يرسل بها عن طريق التسلسل إلى الزاوية الأم. و يبدو أنه كانت هناك زاوية عيساوية مركزيّة بالمنطقة توجد بقرية بازمة ( على مسافة 5 كلم جنوبي قبلي). وانتقلت حاليا إلى الجرسين ولكن المنتسبين إلى الزاوية العيساويّة لا يرغبون في الإفصاح عن ذلك و تقديم معلومات دقيقة.

بها عندما يصل إلى حالة التخمر. ومن هذه الشطحات:

- سيّـاف (يضرب بطنه عديد المرات بالسيف)

- السفافدي (يشك خديه ولسانه بآلة دقيقة وحادة)

- الخطيفة (يقوم بشقلبات)

- النعام (يبتلع المسامير)

- الرفاعي

- الجمل

- الصيد

- النمر

وتنطلق الحضرة بقول المقدم: "بسم الله والله الكريم نستفتح، وصلّ على محمد إن شاء الله نربحو" ثم تتم قراءة حزب الطريقة ويتمثل في ترديد عبارات "الحمد لله" ثلاثا و"إنّي توكلت" ثلاثا ثم "الحمد لله" ثلاثا ويتولى اثنان يعرفان بـ"المخاديم" إمساك من يزدرد المسامير ويقومان في الأثناء بقراءة القرآن. ويؤكد المقدم أن لا شيء يذكر أثناء الحضرة غير القرآن ولذا لا يباح التدخين لقدسية المقام.

وعند بلوغ أحد المريدين حالة الإغماء التام فإن المقدم يضمه إليه ويردد الشهادتين على مسمعيه ولا يتم إطعام الحاضرين إلاّ بعد إتمام الحضرة.

ويذهب المقدم إلى أن القصد من الحضرة هو الاستجابة للدعاء بالتقرب من الذات العليّة.

وخلافا للطريقة القادرية، لا يدّعي المنتسبون إلى الطريقة العيساوية المذكورة إلاّ القدرة على مداواة لدغ العقرب.

ج. الطرق الأخرى :

نلاحظ أن الطريقة القادرية هي التي تحافظ على انتشار واسع بالجهة رغم أنها لم تكن توجد زاوايا خاصة بها سنة 1925 (1) ولا نجد أثرا اليوم لطرق عديدة أشارت إليها المصادر.

ـــــــــــــــــ

(1) العجيلي التليلي، الطرق، ص 40.

ففي أواخر القرن التاسع عشر كانت أشهر الطرق بالجهة: الرحمانية العيساوية العروسية السلامية القادرية(1).

وقد كانت للطريقة الرحمانية سنة 1925م زوايا بدوز والعوينة وزعفران والصابرية والعذارى وغريب(2).

ويبدو أن الاستعمار الفرنسي حاصر الطريقة السنوسية مما حال دون انتشارها بالجهة إذ نجد أن أحد أتباع هذه الطريقة وهو حسن علي قد وفد على الإيالة التونسية بتاريخ 4 جوان 1896م وتوقف بعدة مدن تونسية منها دوز حيث أوضح للأهالي أوضاعهم المتردية مقارنة بأوضاع الخاضعين لنفوذ الباب العالي الذين لا يدفعون إلاّ ضريبة واحدة كما قام أيضا بتحديد ينابيع المياه بالجهة فتم إيقافه بدوز يوم 25 جوان 1896م وسُلّم يوم 28 جويلية إلى المراقب المدني بقابس الذي قام بترحيله في نفس اليوم إلى طرابلس(3).