samedi 17 juillet 2010

الدكتور محمد لحول : الزوايا والطرق الصوفية بالبلاد التونسية - منطقة دوز* عيّنة - جزء 4



. الزيارات :

يمكن تصنيف الزيارات إلى صنفين : زيارة عاديّة يقوم بها أفراد أو مجموعات محدودة العدد في مناسبات عديدة كالأعياد الدينيّة وخاصّة في عيدي الفطر والاضحى ويقوم بها الرجال مباشرة بعد صلاتي العيدين فيقفون داخل الضريحين الغوث(4) والمحجوب ويقرؤون الفاتحة ترحّما على روحيهما وتبرّكا بهما قبل زيارة بقيّة الأضرحة والمقابر.

ـــــــــــــــــ

(1) الأرشيف الوطني التونسي، السلسلة د، صندوق 97 ملف ½ بتاريخ 1891م.

(2) العجيلي التليلي، الطرق، ص 54.

(3) العجيلي التليلي، نفس المرجع، ص 69.

(4) لا تصحّ زيارة ضريح الغوث حسب المعتقد السائد - إذا لم تكن مسبوقة بزيارة ضريح مجاور وهو ضريـح "مفتاح الجبّانة" ولا يكاد يعرف باسم آخر وتذكر الرواية أن هذا الولي الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد الغوث والمحجوب كان عاملا لدى الغوث ببستان النخيل بوادي السمارة المجاور للضريح وظهرت عليه علامات التقوى والبركة ومن كراماته أن الغوث وجده نائما والمسحاة تتحرّك وحدها وتعمل عملها في الأرض فكان اقتران زيارته وجوبا بزيارة الغوث اعترافا بمنزلته الصوفيّة، مع الإشارة إلى أن هناك رواية أخرى تفيد أن "مفتاح الجبّانة" هو جدّ للعروش التي تسكن منطقة دوز الغربي وهذه الرواية غير رائجة ولا تستند إلى الوثائق المحفوظة لدى بعض العائلات والتي يعود بعضها إلى مائتي سنة.

وتقوم النساء في مجموعـات كبيرة العدد بزيـارة الضريحين ثمّ المقابـر في مناسبات عديدة لا يغفلن عن تذكّرها، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الزيارات بدأت تدريجيّا تفقد بعدها الروحي لتصبح مناسبات للقاءات اجتماعيّة بين نساء بطون عديدة لا تجمع غالبا بينهنّ إلاّ مثل هذه الزيارات بعد أن زالت اللقاءات اليومية حول العيون والآبار لجلب الماء وتتجلّى غلبة الطابع الاجتماعي في تزيّن النساء وخاصّة الفتيات - وتحلّيهنّ بأحلى حلي قصد جلب اهتمام مجموعات الشبّان بطرقات المدينة وإغرائهم أحيانا بمعاكستهنّ (1).

ويمكن ملاحظة هذا التحوّل بوضوح أكثر في الزيارة السنويّة أو ما يعرف "زردة الغوث والمحجوب" إذ ينتظم سنويّا احتفال يكون يوم الأحد الموالي لفعاليات مهرجان الصحراء الدولي بدوز(2).وتنظّم "الزردة" بعيد انتهاء المهرجان قصد تمكين الفرسان القادمين من القيروان وسيدي بوزيد والحامّة والمشاركين في استعراضاته ومسابقاته من المشاركة في ألعاب الفروسيّة التي تقام يوم "الزردة" دون أن تتخذ شكل مسابقات. وتجدر الإشارة إلى أن المدّة الفاصلة بين المهرجان و الزردة خلال سنة 1999 كانت طويلة إذ انتظمت "الزردة" خـلال شهر جانفي 2000 بعد ثلاثة أشهر من انتظام المهرجان وقد فسّر هذا التأخير بانتظار انتهاء أشغال إعادة بناء زاوية المحجوب وانطلاقها من جديد في تحفيظ القرآن لكنّ هذا التفسير لا يبدو كافيا إذ نجد معارضة متنامية لإقامة الزردة بحجّة معارضتها للشرع وما يؤكد قوّة هذه المعارضة هو أن أحد المتحمّسين لإقامة الزردة كان ينادي بين الناس بصوت عال يوم السوق الأسبوعيّة معلنا عن موعد الزردة بقوله "الزردة يوم الأحد الجاي حب من حب وكره من كره" والقصد من الإعلان المسبّق أساسا هو استعداد العائلات لإعداد الطعام وتقديمه بالجامع الكبير للزائرين.

وقد لاحظنا أن إقبال النسوة خلال الزردة التي أقيمت بداية سنة 2000 كان كبيرا مقارنة بإقبالهنّ على تظاهرات مهرجان الصحراء ويفسّر هذا بسببين على الأقلّ : الأوّل روحي اعتقادي

ـــــــــــــــــ

(1) لابدّ من الإشارة إلى انتشار ظاهرة العنوس لدى الفتيات بالمنطقة ولا شكّ في انّه تقف وراء ذلك أسباب ثقافيّة واجتماعيّة وماديّة بحاجة إلى درس للوقوف عليها وعلى نتائجها.

(2) انطلق هذا المهرجان في صيغته الحالية في نوفمبر 1967. وكان في عهد الاستعمار الفرنسي يعرف بـ"عيد الجمل" وفي صيغة مغايرة.

خاصّة إذا عرفنا أن نسبة الأمّية بينهنّ أرفع، والثاني اجتماعي إذ تمثّل الزردة مناسبة للفرجة والتعارف والتواصل وتبادل التجارب مع الأخريات من نفس المحيط الثقافي والاجتماعي كما تمثّل مناسبة للفتيات للظهور أمام فتيان من أحياء مختلفة قد يصبحون أزواجا(1).

وتقتصر "زردة" الغوث والمحجوب على ألعاب فروسيّة جماعية وفردية دون رقصات مع ضرب الطبول ونفخ المزمار وتجدر الإشارة إلى وجود إيقاع يعرف بـ"طريق الجدود"، وتقام على فترتين فترة صباحيّة قرب ضريح الغوث وفترة مسائيّة قرب ضريـح المحجوب وتختم كلّ فترة بتقديم الطعام (لحم وكسكسي) إلى كلّ الزائرين دون تمييز بينهم.

ويدّعي بعض الناس خاصة من النسوة أن الجدّين يظهران يوم الزردة في شكل حنشين أخضرين يرقصان على وقع الطبول معبرين عن رضائهما بالتفات الأحفاد إليهما. ولا شك في أن هذا المعتقد له جذور موغلة في القدم تحتاج إلى بحث.

وتنتظم سنويّا "زردة" أخرى بـ"الدالية" تتولّى الطريقة القادريّة بنويّل إعدادها وتسييرها(2) ويقبل عليها المنتمون إلى الطريقة اعتقادا وتبرّكا ويقبل عليها غير الطرقيّين خصوصا المرازيق ترفيها وفضولا إذ نجد أن غالبيّة غير الطرقيّين يكونون من الشبّان والفتيات ويسمح الإطاران المكاني (بين كثبان الرمال المترامية) والزماني (ليلا) بربط علاقات جنسيّة عابرة خارج الرقابة الاجتماعيّة الصارمة في الحياة العاديّة اليوميّة ولعلّ اختيـار الإطار لإقامة "الزردة" مقصود لأنّ مركز الطريقة ومنشآتها هو قرية نويل وهذا الإطار الجديد يمثّل نوعا من "الخرجة" يسمح لغير الطرقيّين بارتياده ويتيح بناء علاقات اجتماعيّة غير مألوفة.

وتبدأ "الزردة" بعد صلاة العصر بقراءة قصيدة البردة للبوصيري ثمّ تردّد "سفائن" أو قصائد في مدح شيوخ القادريّة. وبعد غروب الشمس يجتمع الحاضرون في شكل حلقة وتـدقّ الدّفوف

ـــــــــــــــــ

(1) في المناسبات العاديّة عادة ما يقتصر التعارف على أبناء الحي الواحد أو البطن الواحدة فحتى التوزيع الجغرافي للمؤسسات التربوية بين الأحياء لا يسمح بالجمع بين شبان ينتمون إلى أحياء عديدة.

(2) كانت تنتظم في فصل الصيف ويقبل عليها الشبّان وخاصّة التلاميذ والطلبة من باب التسلية وحبّ الاطلاع ثمّ أصبحت تنتظم في فصل الخريف حتّى لا يفسدها من يشكّك في مقاصدها الروحيّة والدينيّة كما يذهب إلى ذلك شيخ الطريقة.

ويندفع من حين لآخر إلى وسط الحلقة من تفاعل مع دقّات الدفوف و"تخمّر" فيقوم برقصات أو "شطحات" يشترك فيها النساء والرجال دون ميز. وعادة ما يغمى على المريد بعد شطحاته فيخرج من الحلقة وقد يحتاج إلى تدخّل المقدّم أو الشيخ بتمتماته ليستعيد وعيه ويمكن أن تستغرق هذه "الحضرة" ساعتين أو أكثر.


II - الزوايا والطرق بمنطقة دوز بين التمايز والتماثل :

لا ريب في أنّ منطقة دوز تشترك اعتمادا على ما سبـق على إيجازه مع مناطق أخرى من البلاد التونسيّة في جوانب عديدة تمسّ المعتقدات والطقوس وتجد تفسيرها في الأسباب الثقافيّة والحضاريّة المشتركة. ولكن يبقى رصد مميّزات ظاهرة الزوايا والطرق الصوفيّة بمنطقة دوز والبحث عن تفسيرها هو الأهمّ في عملنا.

فالملاحظة الأولى اللاّفتة هي غياب الطرقيّة بدوز وانتشارها بمحيطها. ولعلّ هذا يعزى إلى رسوخ البنية القبليّة وتغلغل قيمها في نفوس أفرادها. فما تريد الطريقة أن تنشّئ عليها مريديها من انضباط وطاعة وتضحية وصبر ونفي للأنانية وإيثار هو نفسه ما تنشده القبيلة مع اختلاف في المقاصد طبعا. ولذا فإنّ الطرقيّة ستكون موازية بل منافسة للبنية القبليّة. ولذا ستسعى القبيلة أن تغرس في أذهان أفرادها أنّ الطرقية تخرج عن "الدين" وأنّ الطريقة لا تستطيع أن تنطلق في "حضرتها" وتنشط دون إذن مسبّق ممّن قد يحضرها من المرازيق (1) هذا الاعتقاد المقصود به في الواقع سدّ الباب أمام أي انخراط في تنظيم آخر طرقي أو سياسي(2) غير التنظيم القبليّ. فالطريقة تمثّل انتماء جديدا إلى بنية جديدة قد تخلق علاقات جديدة تجعل بنية المركز بمعنييه المادي والرّوحي - وقد سبقت الإشارة إلى أنّ سكّان دوز يعتبرون مدينتهم مركزا في المجال الروحي التصوّفي(3).

وقد لا نبالغ في القول إذا أكدنا على أنّ ثنائيّة المركز/ المحيط دون أن نصدر حكما معياريّا

ـــــــــــــــــ

(1) يشترط عادة في المرزوقي حتى يكون له تأثير في تعطيل انطلاق الحضرة أن يكون حسن النيّة صافي الطويّة.

(2) بهذا يمكن أن نفهم سرّ تسمية تنظيم سياسي قومي سرّي نفسه بـ" جماعة دوز" وقد حوكم هذا التنظيم سنة 1974 وسجن بعض أعضائه

(3) نجد هذا المعنى يتردّد على ألسنة الشيوخ في مغالاة مفرطة في قولهم "إذا طاحت تونس تقعّدها دوز، وإذا طاحت دوز ياخرّافة خرّفي".

في هذا السياق - هي الآلية التي تساعدنا كثيرا على فهم ظاهـرة الزوايـا والطـرق الصوفيّـة بالمنطقة المدروسة. فالمرازيق بعد أن بسطوا نفوذهم المادي والاقتصادي على المنطقة لأسباب تاريخيّة لا تبدو واضحة على الأقلّ اليوم(1) سعوا إلى أن يعضدوه بنفوذ معنوي بالتأكيد على مرتبتهم الرفيعة في المجال الروحي الديني شأنهم في ذلك شأن جدّيهم الأعليين (2).

وإذا نظرنا في المعتقد السائد وجدنا أن الكرامات المنسوبة إليهما قد تبتعد بهما عن صورة الأولياء الصالحين المألوفة. فقدرتهما عجيبة وخارقة فهما يحضران رغم مرور حوالي ثمانية قرون على وفاتهما في لمح البصر بمجرّد الاستغاثة بهما وطلب حضورهما يرتديان "حوليين" (3) أو إزارين أبيضين ويركبان صهوتي فرسين أبيضين فتنجلي الغمّة عن المستغيثين وغالبا ما تكون الغمّة ضلال السبيل في الصحراء أو فقدان الماء أو الراحلة فيها، والدعاء المتواتر في مثل هذه الحالات صيغته هي التالية:"يا مرازيق يا حضّار في الوسع والضّيق، يا غوث يا محجوب".

ويتوارث الأحفاد خاصية الانتقام غير المباشر ممّن يعتدي عليهم ماديـا سواء أتعلّق الأمر برزق وبممتلكات أم بالتعنيف البدني ويعتقدون أنهم يمتلكون قوة خارقة تصيب المعتدي بالمكروه و"تدقّه" ويمكن أن نذكر في هذا السياق قصة متداولة مفادها أن فارسا من فرسان بني يزيد يسمّى التليلي ويكنى بـ"لجام النكيرة" أي من يستولي على الأرزاق عنوة وقهرا افتك من مرزوقي وهو بشطولة ناقته فبقي صاحب الناقة يتبعه إلى أن وصل إلى قبيلة بني يزيد ويتوسّل إليه حتى يعيد إليه راحلته لكن الفارس تمادى في استفزاز المرزوقي بحلب ناقته وسقي حليبها للفرس مرددا :

يا سابقة ذوقي ذوقي ما أحلى حليب نويقة المرزوقي

فأجابه صاحب الناقة شعرا:

يا سابقة ذوقــي ذوقــي ما أحرف عليك حليب نويقة المرزوقـي

ما أحرف عليــك شرابــه ومــن قالـك بـرّي مـع الزّغابــة

الله يجعل عقبتك زي تبن الصّابة ذرّوه فـي البستـان وريـح شلوقــي

ـــــــــــــــــ

(1) يمكن أن نجد سببا مقنعا يتمثّل في تنويع الإنتاج فهم يعتنون بالزراعات الواحيّة فترة من السنة ويهتمّون بتربية الماشية والإبل في الآن نفسه، كما أنّهم كانوا يوفّرون الحماية للقوافل الصحراويّة ويحصلون مقابل ذلك على امتيازات كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

(2) يمكن تفسير هذه الثنائيّة بالرغبة في التأكيد على التميّز الذي يختصّ به "الأصل" على المستوى الروحي التصوّفي فالبركة متأصّلة وعميقة وثابتة.

(3) نوع من اللباس الأبيض المصنوع من الصوف يلتف به الرجل وما زال مثل هذا اللباس مستعملا في بعض مناطق الجنوب وليبيا.

وما إن انتهى من قصيدته التي بلغ عدد أبياتها تسعة عشـر حتى استجيب لدعوة المظلوم فمات الظالم وفرسه في الحين واستعاد المرزوقي ناقته.

وقد يكون الخطر الداهم جماعيّا فتنقلب الصورة إلى غير حقيقتها وضرب العامّة على ذلك أمثلة منها أن الفرنسيّين هاجموا بطائراتهم المدينة سنة 1942 بعد أن استولى عليها الإيطاليون فترة من الزمن فانقلبت صورة المدينة في أعينهم إلى بركة من الماء بفضل بركة الجدود فعاد الطيّارون على أعقابهم دون أن يصيبوها بسوء . وحصل ما يشبه هذا عندما غادر الجنود الفرنسيّون ثكنتهم سنة 1957 وأراد قائد المجموعة العسكريّة أن يضرب بمدافعه المدينة وهو يهمّ بمغادرتها بالمكان المعروف بـ"قاعة الطيارة "فتراءت له بركة من الماء أيضا فالمدينة حسب الاعتقاد السائد أسوارها بركة جدودها(1) وعضّد المرازيق نفوذهم إضافة إلى ما تقدّم بحلف "عسكري" إذ مثّل فرسان أولاد يعقوب(2) الدرع والذراع في التصدّي لهجمات التوارق من وسط الصحراء ومن هجمات بني يزيد (بالحامّة). ولئن تمكّن الاستعمار الفرنسـي فالدولـة الوطنيّة مع الاستقلال من إنهاء القبلية في وجهها المادّي فإنّ الصّلة الحميمة بين القبيلتين بقيت قائمة في نطاق الزيارات والمصاهرات إلى وقت قريب.

هكذا ترسّخ في الأذهان وعلى امتداد أجيال أنّ المرازيق على درجة متميّزة من البركة جعلت سكّان الجهات المجاورة يصدّقون بها ويقومون بما يستوجب ذلك من طقوس تتمثّل في النذور والزيارات وحمل قليل من تراب الأضرحة حسب الحاجة والدّافع. فإذا كان الغوث والمحجوب يجمعان حسب الاعتقاد دائما قدرات عجيبة للاستجابة لكلّ الرغبات فإنّ الأدوار موزّعة بين

ـــــــــــــــــ

(1) للماء حضور متواتر عند الحديث عن الأولياء بالمنطقة و يفسّر ذلك بمكانة الماء في حياة الناس في رقعة يعزّ فيها الماء. ومن الأمثلة على الحضور الدائم للماء في الحكاية الشعبية أن المحجوب بُعيد استقراره مع عمّه أو جدّه الغوث بالمنطقة اختلف معه فقرّر مغادرة المكان وركب صهوة فرسه وسار مسافة قصيرة حوالي الكيلومتر وعثر الفرس فانتبه إلى أن الماء ينبع من الأرض نتيجة وقع حوافر الفرس فقرر نبش الأرض فانبثق الماء وبقي جاريا فقرر الاستقرار قربه غير بعيد عن الغوث. وكانت هذه الحادثة حسب اعتقاد العامة كرامة من كراماته، ونجد حادثة شبيهة بهذا فيما يتعلق بإحياء زردة الدالية في السبعينات.

(2) قبيلة عرفت سابقا بفروسيّتها وقدراتها الحربيّة ومقرّ القبيلة الأصلي هو قرية "نقّة" غربي قبلي. ومن المرجّح أن التحالف بين المرازيق وأولاد يعقوب يعود إلى الخلاف بين وطني "شدّاد" (الباشية) و " يوسف" (الحسينية) بنفزاوة وهو الخلاف الذي شبّ بين الحسين بن علي وابن أخيه علي باشا سنة 1729 م وانتهى بإبعاد علي باشا سنة 1756 م.

أبناء الغوث (1) ليختصّ كلّ واحد بقدرات معيّنة. وكأنّ في هذا التكثيف من عدد الأولياء تأكيدا على أنّ العلاقة بين السّماء والأرض ليست أحاديّة الاتجاه فالبركة يمكن أن تنطلق أيضا من الأرض ومن أهلها نحو السماء (2)

والطريف أنّ الأولياء يحتلّون من المدينة مركزها (3) ولا يوجد بالصّحراء على ترامي أطرافها واتّخاذها مربعا ومرتعا ومراحا (4) إلاّ وليّان وهما سيدي يومنديل وسيدي ابن خود ومنزلتهما في اعتقاد عامّة النّاس دون منزلة أولياء المركز. ويستنتج من هذا أنّ الحاجة النفسيّة وراء ظاهرة الاعتقاد في الأولياء والتبرّك بهم ليست هي المحدّد الأساسيّ وراء انتشارها أو تقلّصها ولا أدلّ على ذلك من أنّ الظروف الطبيعيّة والمادّية القاسية وشظف العيش والأهوال والمخاوف(5) لم تدفع بسكّان الصحراء إلى التكثيف من عدد الأولياء في محيطهم رغم أن الكثير منهم لا يدخلون المدينة إلاّ أياما معدودات من السنة لحمل الزاد بل بقوا مشدودين إلى المركز ونجد العائلات التي تعود إلى المدينة بعد قضاء فصل الربيع وأحيانا شهر أو شهرين من الصيف تبادر بزيارة ضريحي الوليين، وقد يبادر بعضها بزيارة الدالية قبل دخول المدينة وذبح جدي سيدي عبد القادر. ولذا فإنّ الدافع الموجّه أكثر إلى الظاهرة هو دافع ثقافي اجتماعي. فالانتماء إلى مجموعة بشريّة قد يقلّ عددها وقد يكثر هو ما يوفّر للأفراد توازنهم وهويّتهم إذ يمتّن التشابه في السلوك الاجتماعي الصلة بين أفراد المجموعة التي تصل بينها حبال العقيدة والطقوس.

ويبدو أمام زخم الحياة وعمق التحوّلات الثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة التيّ يمرّ بها المجتمع

ـــــــــــــــــ

(1) من الروايات التي هي محلّ خلاف أنّ المحجوب لم ينجب أبناء وأن العروش التي تنتسب إليه هي في الأصل عروش استقرّت قرب زاويته ولا تمتّ إليه بصلة دمويّة مع الإشارة إلى أن كل المقيمين بالمدينة يريدون أن يرفلوا في حلل الانتماء إلى الجد الشريف. ومن الطريف أنه حصل خلاف حاد في نهاية السبعينات حول أحقية بعض العروش في طلاء ضريح الغوث أثناء إقامة زردته وتدخلت البلدية لتحسم الأمر بتوليها عملية الطلاء سنويا.

(2) انظر : النهدي الحبيب، البركـة بيـن المقـدس والدنيـوي، مجلة الحيـاة الثقافيّـة، العدد 112، السنة 25، فيفري 2000، ص ص 68 77.

(3) تلاشت القباب الصغيرة التي كانت منتشرة بين المنازل داخل الأحياء لأنّ بناءها ارتبط باعتقادات أفراد أو عائلات في كراماتهم.

(4) يقيم كل الرعاة بأغنامهم باستمرار في الصحراء ويلتحق بهم عادة بعض أفراد عائلاتهم لمساعدتهم في فصل الربيع.

(5) على خلاف ما يذهب إليه الأستاذ كمال عمران، المقال المذكور، ص 125.

التونسي أنّ سكّان دوز يعيشون اليوم أنماطا من التفكير والسّلوك تبدو في جوهرها متعارضة ومتباينة كل التباين فحياة الناس تأخذ من الحداثة بنصيب (1) وبالموروث الروحي الديني بنصيب. والأمر اللافت في هذا السياق هو أنّ الجانب الروحي والديني يمتزجان وينصهران انصهارا عجيبا.بعد أن مرت منطقة دوز والمجتمع التونسي بصفة عامّة بتحولات هيكلية صارخة من خلال ظاهرة الزّوايا.

فليس من المجازفة التّأكيد على الأدوار الثلاثة التي لعبتها الطرقيّة والزّوايا، فالدّور الأوّل امتدّ من منتصف القرن التّاسع عشر - وقد حصلت زاويتا الغوث والمحجوب على امتياز الحرم الآمن من أحمد باي ( تولّى الحكم بين 1837م - 1855 م ) - ليصل إلى الخمسينات من القرن العشرين مع تطوّر ملحوظ فيما يخصّ الطّرقية بإنشاء زاوية نويّل سنة 1917 وبناء مقرّ لها سنة 1938.

والدّور الثّاني وهو هامشي بدأ بعيد الاستقلال ومع حلّ الأحباس وتواصل إلى منتصف السبعينات وقد توقّفت فيه الزّوايا عن أداء دور تعليمي إذا استثنينا زاوية نويّل كما عرفت الطرق الصوفية فتورا وكمونا.

والدّور الثّالث اكتسى منذ منتصف السّبعينات مظهرا جديدا لا هو خرافي محض ولا هو عقدي صرف فهو يقوم على القبول بالعجيب واللاّمعقول دون رفض للعقل أو تشكيك في قوّته. فالعقل قائم وحاضر ولكن ضمن حدود مرسومة فإنّ خرجنا من نطاق هذه الحدود إلى ما وراءها أصبح للرّوح نفوذها وللعجيب سلطانه، فالخطّ الفاصل بين العقل والرّوح دقيق ولا يمثّل حاجزا بينهما بل يقوم مؤشّرا على تجاورهما وتعايشهما معا(2) فالعقل فاعل في الواقع المادي المحسوس بل هو سيد هذا الواقع لكنه سرعان ما يعلن تردده وحيرته وربّما عجزه إذا ما واجه عالما غير مادي، وفي هذا الهامش وفي توق الإنسان إلى تجاوز الواقع الموجود إلى عالم منشود يجد البعض في الروحانيات ملاذهم.

ويتجلى هذا الميل إلى الروحانيات في حقلين:

الأول النظر إلى الحظ وقد ذكرنا أمثلة على ذلك والثاني الاعتقاد في الصلة الممكنة بين الإنس

ـــــــــــــــــ

(1) نتيجة انتشار التعليم وانتشار وسائل الاتصال الحديثة والاحتكاك المكثّف بالثقافات الأخرى بوسيلتين هما السياحة والهجرة.

(2) الأدوار الثّلاثة المذكورة لا تختلف في حدودها إلاّ قليلا عمّا ضبطه الأستاذ كمال عمران ( المقال المذكور، 85) ويفسّر استمرار الدّور الأوّل إلى منتصف الخمسينات بعزلة المنطقة وبعدها نسبيا عن أسباب التّواصل مع المناطق الأخرى من البلاد.

والجن(1).وكلا الحقلين ينهل من الموروث. فالتّطيّر مثلا كان معروفا لدى العرب منذ الجاهلية(2).

فالروحانيات وجدت مجالا لتركيز جانب السّحري خارج دائرة المقدس المنبني على الوحي. والأمثلة على ذلك عديدة فمن وضع التمائم لحماية الأطفال من عين الحسود إلى وضع "حرز" للعروسين ليلة الزفاف حماية لهما من عيون الحاسدين ومن كيد الشّامتين إلى زيارة امرأة تعرف بـ"البازمية"(3) لمعالجة "أمراض النساء" هكذا دون حصر أو تدقيق.

على أن الموقف من الجانب السحريّ بدأ يميل إلى الحياد لدى "المتعلمين" فالغالب لديهم هو القول "ابن آدم لا يكسر ولا يستعقد" ويمكن أن يفسّر هذا الموقف برسوخ الإرث الروحي في النفوس على مدى اجيال ويعسر الفصل بين قداسة الجدّ على المستوى الاجتماعي القبلي وقداسته للولاية الروحية المنسوبة وما يحفّ بها من كرامات في اعتقاد العامة.

لقد بسطت مواطن الحل الروحاني سلطانها على الحياة الاجتماعية بصورة مطردة وجعلت تكتسح النفوس وتسيطر على الأذهان. فهل أن الأمر يمثل موقفا عاما من الحداثة وبحثا عن عالم خاص ولو كان وهميا؟

لقد استعادت الطريقة جانبا من حيويتها رغم أنها لم تستعد مواردها المالية التي كانت تنعم بها مع منتصف السبعينات، إلى جانب الروحانيات التي أخذت بحظها أيضا في خط مواز، قد نجد له أسبابا سياسية في الثمانينات فالعلاقة بين السلطة من جهة والطرق والزوايا من جهة ثانية تقوم على تبادل المنافع والمصالح فالبركة التي تسبغ على الزاوية تستدعي في المقابل ولاء للسلطة.

ولم يكن من العسير أن تبسط الطرقيّة والروحانيات سلطانا في بيئة بعيدة عن القواعد الأولى للتحديث من خلال النمط التعليمي الصادقي ومن خلال النشاط الفكري في النوادي والجمعيات وفي الصحافة، وكاد هذا النشاط على هذه الصورة أن يقتصر على المدن(4).

ومما بسترعي الاهتمام اليوم الاختلاط الغريب في الزّيارات بين المقدّس والدّنيوي فلا تقصد

ـــــــــــــــــ

(1) من أسباب سيطرة الجن على الإنسان في اعتقاد العامة بالجهة المدروسة مروره على الدم أو الرماد دون ذكر اسم الله.

(2) من مظاهر التطيّر بالجهة المدروسة : عدم شروع النسوة في نسيج جديد من الصوف يوم الأربعاء عدم لبس الجديد في يوم محدد من الأسبوع.

(3) يفسّر الإقبال المكثف للنساء على هذه المرأة بقرية بازمة جنوبي قبلي بـ5 كلم بانعدام الأطباء المختصين في أمراض النساء بالجهة وخجل بعضهن من الحديث علنا خاصة عن الأمراض الجنسية.

(4) لقد أنشأ أصيلو الجهة الذين درسوا في جامع الزيتونة جمعية "الشباب المرزوقي" سنة 1947 وكانت أهدافها ثقافية لكن تأثيرهم في البيئة بقي محدودا لأن السلط الاستعمارية كانت تحاصر نشاط هذه الجمعية.

الزّاوية ورعا مهما كان نوعه كما يرجى في العادة بل أصبحت تؤمّ في الغالب لمآرب دنيويّة أصبحت أوضح وأوكد كلّما ابتعدنا عن البدايات فنخرج تدريجيّا من الزّيارات الرّوحية إلى المهرجانات الفلكلوريّة.

دلالات الـزّيـارة

لا يمكن الفصل بين البعدين الدّيني والاجتماعي، فالعلاقة بينهما متينة وثابتة.

1 - دلالة الانتماء:

يفسّر الزّائرون للأضرحة والزّوايا ما يقومون به على أنه تأكيد للإيمان الحقيقي فهم يدرجون سلوكهم ضمن الإسلام " النصّ "، وإن كانوا لا يصلون بسلوكهم إلى حالة الكشف كما يذهب إلى ذلك الخاصّة من المتصوّفة فإنّ صلتهم بالوليّ وجدانيّة خالصة تمسّ شغاف القلب. فيعتبرون أنّ ما يقومون به يقرّبهم إلى التدين الحقّ. وهم عن طريق التوسّل والتقرّب يقطعون الأسباب المنطقيّة والموضوعيّة عن مختلف الأحداث والظواهر، وهم بذلك يتركون الخلافات الكلاميّة حول السببيّة جانبا ليؤمنوا بالقضاء والقدر ويسلّموا بهما تسليما لا يقبله العقل. وتصبح التّجربة الوجدانيّة الذّاتية سيّدة الأدلّة عندهم.

فغالبية الفئات كانت تعيش الكفاف وتجد في الطرقية تعويضا عن الحرمان والعوز. وفئة جلبتها المنافع الماديّة وقد وجدت الملجأ في الزّوايا حين اشتدّت الحياة وقست خلال الفترة الفاصلة بين الحربين وبعدها (1) إذ حظيت الزّوايا بالأمان من السّلط الفرنسيّة وحافظت على مواردها المادية في كلّ الحالات. ورغم أنّ الكسر الذي حصل في البنية الاقتصاديّة التقليديّة بقي محدودا بالجهة المدروسة فقد مثّلت الزّوايا ملجأ روحيّا يعبّر عند الزّائرين عن الهروب من واقع لم يبق الواقع الموروث ولم يجدوا فيه حظّا ماديّا ممكنا فطلبوا في الزّوايا الانغراس في الوجدان والرّكون إلى القيم الأثيلة فعبّروا تعبيرا سلبيّا عن رفض الحياة الجديدة بالالتجاء إلى الزّوايا.

فكانت الزّوايا عنصرا من العناصر التي احتضنت الحيرة والفزع والهلع. وقد بلور هذا كونا ثقافيّا نطق عن التحوّل الاجتماعي من بنية ممعنة في التقليديّة إلى بنية مستجدّة فرض عليها التحديث.

ـــــــــــــــــ

(1) مثلا: حصلت فيضانات عارمة سنة 1933 وتعرف السّنة بـ" عام الطهمة " وفي سنة 1947 حصل جفاف قاس بالجهة يعرف بعام " الزّمة السّوداء" فالبعض نفقت غنمه بكاملها، بالإضافة إلى الأسباب العامة التي عرفتها الإيالة التونسية مثل الأزمة الاقتصادية لسنة 1929.

ولقد اعتبر تصويب السّهام نحو الزّوايا مظهرا من مظاهر النّضال الوطني إذ اعتبرت الزّوايا سببا في الإبقاء على الجهالة وحالة التخدير. وقد ساهمت الجهة بدور متميّز في الحركة الوطنيّة(1).

وتواصل هذا الموقف بعد فترة الاستقلال إذ اعتبر الموقف السّياسي في الدّولة الوطنيّة النّاشئة أن لا فائدة من الطرقية وكان الهدف من ذلك كسر معلم من المعالم للبنية التقليديّة.

وتناسب هذا الموقف مع تعاظم الأمل في الدّولة الوطنيّة وكانت الآمال عريضة في النّظر إلى المستقبل و التعلّق بأسباب التنمية في مختلف المجالات.

والمرحلة الثانية كانت رجوعا إلى الطرقية والروحانيات بعد أن خفتت الإيديولوجيا الاشتراكيّة وتغيّرت الاختيارات العامّة. فانقلبت الزّوايا إلى موطـن العلاج للبائسين من الشّفاء وهي موطن الحاجات لمن انسدّت أمامهم أبواب العمل. وهو ما أفضى إلى دلالة ثانية من دلالات الزّيارة وهي:

2 - الانزياح :

وهو ينهض على إضفاء معقوليّة على السّلوك الفردي والجماعي.وهو يخرج من دائرة الحياة الموضوعيّة إلى دائرة العالم السّحري الخرافي(2). ويتّهم الخارجون نحو الزّوايا الحياة الاجتماعيّة وينعتونها بالتّناقض الصّارخ وبالظلم والاعتباط و يعزى ذلك إلى افتقاد التّوازن الاجتماعي الذي تجلّى في مظاهر عديدة :

أ- الفقر والبطالة النّاتجان عن التّفاوت في البنية الاجتماعيّة وتجدر الإشارة إلى هذا التّفاوت بالجهة المدروسة لم تظهر بوادره إلاّ مع بداية الثّمانينات(3) فرجحت كفّة المنافع والمصالح أحيانا على العلاقات الاجتماعيّة وروح التّكافل الذي اقتضته البنية القبلية.

ب - الجهويّات : الفرق الكبير بين الجهات ممّا ولّد شعورا مريرا بالقهر والظلم والنسيان والحرمان(4) رغم أن الجهة أصبحت تزخر بكفاءات بشرية في مجالات متعددة بفضل ديمقراطية التعليم التي عرفتها البلاد.

ـــــــــــــــــ

(1) بلغ عدد الشّهداء أصيلي المنطقة 93 شهيدا كما تثبته القائمة الموجودة بروضة الشهداء بدوز.

(2) عمران كمال، المثقال المذكور ص 130.

(3) كانت البيئة قبل ذلك متقاربة في مستوى العيش وفي وسائل الإنتاج واقترنت البطالة بعزوف عن النشاط الزراعـي وبعودة جماعية وقسرية للمهاجرين من ليبيا.

(4) تجلى في مجالات عديدة كالتعليم فأول مدرسة ثانوية بنيت بمجهود شعبي سنة 1976 رغم المطالب المتعدّدة والملحّة.

ج - التّعليم : أصبح في نهاية السّبعينات لا يضمن إلى حدّ ما التّشغيل ممّا ولّد القلق والخوف من المستقبل.

د - البنية القاعديّة : فقدان وسائل التثقيف و التّنوير.

وأدّت هه العناصر مجتمعة إلى إيقاظ الشّعور بالحياة الرّوحية وإلى إحياء الالتجاء إلى الزّوايا لأنّها توفّر القوّة الخارقة وتفتّح عوالم الرّجاء وتزرع الطمأنينة وتكسر المنطق الاجتماعي القائم على المصلحة المادية وعلى الاستغلال.

وتبع الانزياح الاجتماعي انزياح آخر حضاري(1) فارتبطت العـودة إلى الطرقيّة والروحانيات بالتّفاوت الفظيع بين الطّموح والإمكان وبين حقيقة التحضّر وقيود التّنمية وكان هناك شعور بالعجز عن مجاراة نتائج التقدّم المادّي في مستوى الحياة اليوميّة فاشتدّ التّنافس على اقتناء وسائل وأدوات دون أن يحصل التّوازن الضّروري بين المداخيل والمصاريف وهي طبيعة المجتمع الاستهلاكي، ممّا دفع إلى البحث على تحمّل التّناقضات الاجتماعيّة بالالتجاء إلى الزّوايا والطرق.

ويبقى تفسير آخر لانتشار الطرقية وهو الارتياح إلى الطرقية والرغبة في إناخة الراحلة في ظل المنابت الأولى للإسلام لعدم الحصول على السّكينة المرجوّة في الإسلام الرّسمي(2) رغم أنّه طرف جوهري في البنية الاجتماعيّة إذ يغلب على خطاب الإسلام الرّسمي التحنّط والتّكرار.

ألا يدلّ هذا على أنّ القواعد المهيّئة للحداثة لم تتأسّس بعد ممّا يدلّ على أنّ النقلة الحقيقيّة ابستولوجيا وانتروبولوجيا لم تتحقّق على الوجه المؤدي إلى روح العصر الحداثيّة وممّا يدلّ على هشاشة النّظام الاجتماعي وعلى الرّسوب في مؤثّرات الثقافة التقليديّة؟

ولعلّ المبادرة إلى تجديد الخطاب الدّيني بعد تنوير الفكر تجديدا ينهل من المقاربات الحداثيّة ويستأنس إلى العلوم الإنسانيّة من السّبل للتّصدّي إلى رواسب الطرقية، وقد يخفي نسق التطوّر المتسارع الذي تعرفه الجهة وتعرفه البلاد التّونسية بصورة عامّة الروح الطرقيّة التي تتلوّن في ألوان عديدة دون أن تندثر. فكيف السبيل إلى الانخراط في روح العصر؟

محمد الأحــول ـــــــــــــــــ

(1) عمران كمال، المقال المذكور، ص 131.

(2) اعتقد الإسلام السياسي في السبعينات أن الطرقية مظهر لإحياء الجانب الديني في المجتمع لكنه سرعان ما اصطدم معها لمعارضته الاعتقاد في الولايات تأثرا بالحركة الوهابية إلى جانب الاختلاف الجوهري المتمثل في تسامي الطرقية عن المشاغل الدنيوية وبحثها عن الانسجام ورفضها الإقصاء أو التهميش.