dimanche 3 février 2008

العرب المحدثون وتراثهم الثقافي الشعبي جزء2 - عبد الصمد بلكبير


الجزء الثاني : مرحلة التأسيس
إن ما يمكن اعتباره مرحلة التأسيس الحقيقية للاهتمام والبحث في هذا الحقل بالنسبة للعرب المحدثين سيبدأ بالذات مع الباحث البارز الاستاذ أحمد تيمور باشا (1871-1930) وهو الذي وضع جملة من التأليف في الآداب العامية، لم يقدر لأغلبها الصدور سوى لاحقا وبعد وفاته من قبل لجنة مختصة. ونذكر من بين أهمها كتاب: "الأمثال العامية" مشروحة ومرتبة على الحرف الأول من المثل" و " الكتابات العامية" وهما يجريان مجرى المقارنة مع الفصيحة. ثم كتابه: "تراجم أعيان القرن الثالث عشر وأوائل الرابع عشر" الهجري طبعا، وقد عرض فيه لنخبة من محترفي رواية الطرف والنكات ورواية الآداب العامية كعبد الله النديم وأحمد أبي الفرج الدمنهوري وحسن عبدالباسط وعلي الليثي وأحمد وهبة. كما أنجز جملة أبحاث في موضوعات خاصة ودقيقة مثل: "خيال الظل" و "اللعب والتماثيل والصور عند العرب" و "الموسيقى والغناء عند العرب". أما أهم أعماله في الموضوع فهو دون شك معجمه الكبير حول "الألفاظ العامية" والذي صدره بمقدمة ضافية حول خصائص اللغة العامية المصرية وعلاقاتها المتينة بالعربية الفصيحة.
ويعتبر الباحث العالم الاستاذ أحمد أمين (1887-1954) ممن لم يتأخر عطاؤهم الغزير على هذا الصعيد أيضا، ففضلا عن كتاباته وأبحاثه في مجال الفكر والحضارة الاسلاميين فقد ألف أيضا في موضوع التراث الشعبي قاموسا يعد رائدا في بابه حول "العادات والتقاليد والتعابير المصرية" يتحدث في مقدمته له عن منهجه فيه قائلا: "بدأت بحرف الألف، بالإبرة أذكر على الأخص عقائد المصريين فيها والأمثال التي قيلت فيها (...) واستغرق ذلك مني أربع سنوات. ورأيت صعوبات كثيرة في هذا الموضوع. فلم أكن أعتمد إلا على الذاكرة غالبا، وقد ساعدني أني تربيت في حارة بلدية تكثر فيها العادات والتقاليد" (معجم يونس 21).
محاولات التأسيس تلك انطبعت عموما بانجازها خارج النطاق الأكاديمي والذي توفره شروط الجامعة. فانطبعت لذلك بما ينطبع به كل عمل بحثي غير متخصص ويندرج ضمن اهتمامات الهواية لا المهنة. وإضافة الى ذلك فقد استمر فيها الانشداد الى اللغة العربية الفصحى مرجعا ومقياسا لابراز مدى البعد أو القرب، وبالتالي مقدار المقبولية والمشروعية لها. وكل ذلك طبعا ينبني على مفهوم للتراث الشعبي وللغته يعتبرهما انحرافا أو في أحسن الأحوال تتميما للتراث العربي الفصيح ولتقاليد الاسلام وأعرافه السنية.
الراجح، وحسب الأستاذ أحمد رشدي صالح، أن البحث المتخصص، الدقيق. والعلمي، لم يبدأ سوى مع الدكتور فؤاد حسنين علي، الأستاذ الجامعي المختص، والذي نشر جملة مقالات متفرقة في مجلة "الثقافة" المصرية، ثم ألف بينها لاحقا في كتاب أصدره سنة 1947 تحت عنوان "قصصنا الشعبي" ومن خلال تقويم الأستاذ أحمد صالح للكتاب فهو: ينم عن اطلاع واسع فيما كتبه المستشرقون والألمان بخاصة (...) وخير ما قرأنا للمصريين (48-1).
ومن المعالم البارزة لهذه المرحلة، رسالة الدكتوراة التي تقدمت بها سنة 1943 ونشرت في السنة التالية الأستاذة سهير القلعاوي في موضوع "الف ليلة وليلة". وبالرغم، وربما بسبب أنها مثلت باكورة الأبحاث العلمية الجامعية في الوطن العربي في موضوع التراث الشعبي، فإن د. فؤاد حسنين علي يعلق على العمل بأنه محض "عرض وتلخيص لأبحاث بعض العلماء الأجانب... لم يخل من الاضطراب وتنقصه الدقة ويعوزه التحقيق... ويقف عندما وقفت عنده أبحاث الأوربيين من عشرات السنين.. ومرجع ذلك النقص، عدم المران على البحث الدقيق من ناحية وقلة وسائل الفحص من ناحية أخرى" (صالح 1-48).
لم يقتصر الأمر على الانجاز في مستوى التأليف، بل إن هنالك من الباحثين غير المختصين، من ساهم في لحظات التأسيس هاته عن طريق كتابة المقالات فحسب، ومن أهم أولئك نذكر أسماء علماء أفاضل أمثال: الدكتور أحمد ضيف، الذي كان له فضل السبق الى التنبيه على أهمية دراسات الآداب الشعبية العامية ولغاتها، في مقالة متميزة له تحت عنوان: الأدب المصري في القرن التاسع عشر" ونفس المساهمة كانت للدكتور شوقي ضيف الذي كتب في هذه المرحلة مقالتين هامتين في الموضوع: "الفكاهة في الشعر المصري" و "أدبنا العامي" وذلك طبعا قبل أن يصدر كتابه الموسوم بـ: "الشعر وطوابعه الشعبية على مر العصور" ويقصد الأدب العربي الفصيح غالبا.
كانت تلك مرة أخرى، البداية التأسيسية والأولية، وهي تتسم طبعا بكل ما يميز البدايات من ظواهر الضعف والنقص الضرورية و "الطبيعية". وفي تقويم الأستاذ أحمد رشدي صالح للمرحلة يعتبر كتاباتها "مستعجلة سطحية.. الكثير منها لا غناء فيها.. ولا يتميز بالجد والاستقصاء والدقة. باستثناء عدد قليل للغاية، مثل الدراسات الجامعية، أو كتاب "قصصنا الشعبي" أو بعض مقالات ظهرت متفرقة في المجلات بغير رابطة أو وجهة محددة..." ( 1-52).
غير أنه مع بداية الخمسينات، وبارتباط مع التحولات التي بدأت تشهدها المجتمعات العربية والمتمثلة أساسا في انطلاق حركات التحرر الوطني الاستقلالية من الاستعمار وكذا بوادر التحولات الاجتماعية والسياسية في الوطن العربي... ستنطلق إذن، وبالموازاة لها، حركة ازدهار ونهوض في الدراسات التراثية الشعبية، خلالها وبعدها ستبرز عدة أسماء وفي مختلف الأقطار العربية الناهضة سيكون أبرز اعلامها الأساتذة عبدالعزيز الأهواني، أحمد رشدي صالح وعبدالحميد يونس.
غير أنه من المؤكد أننا لن نستطيع في مثل هذا الاستعراض العام لتراث العرب المحدثين في حقل دراسة التراث الشعبي العربي. التعامل مع جميع ما راكموه خلال سنوات الخمسينات وما تلاها الى اليوم، بمثل ما تعاملنا به مع مرحلة التأسيس، ذلك لأن الحصاد أمسى وفيرا وعدد الباحثين وكتاباتهم تتجاوز إمكانية الحصر والتوثيق. لذا سنعمد فقط الى اعطاء نظرة أكثر شمولا واختصارا، نبتغي منها الوقوف عند الخطوط الرئيسية التي حكمت تلك الدراسات، مركزين بالأخص على ما يتصل منها بموضوع البحث، وفي نفس الوقت سنعمل على تخصيص المغرب والمغرب العربي عموما بوقفة خاصة تلي قراءتنا للساحة العربية.
إن المدخل الأوفق والأيسر للإطلالة على مجهودات الباحثين العرب المعاصرين، في ميدان دراسة الثقافة الشعبية العربية، لن يتم بغير الاعتماد على ما أنجز من ببليوغرافيات متخصصة في الموضوع.
وفي هذا الصدد، فقد لا نحتاج الى التذكير بمدى الفقر والتقصير الذي تعاني منه المكتبة العربية، وبالتالي انعكاسات تلك السلبية على عموم الثقافة والدراسات العربية. وذلك في خصوص ما يتصل بالمنجزات والتأليف الببليوغرافي. إن هذا القصور يشمل أيضا هذا الحقل من الدراسات الخاص بالثقافة الشعبية.
إن أولى المحاولات في هذا الخصوص تعود فقط الى سنة 1963، ومن خلال أول عدد تأسيسي من المجلة العراقية الرائدة "التراث الشعبي" حيث نعثر على مقالة يتيمة في موضوع ببليوغرافية هذا الحقل من إنجاز الباحث كوركيس عواد بعنوان "الآثار المخطوطة والمطبوعة في الفلكلور العراقي" وهي كما يتضح من عنوانها مقصورة على مجال ما أنجز من بحوث أو تحقيقات... في القطر العراقي وحده.
وبعد حوالي سبع سنوات وفي العدد الأول من نفس المجلة في سنتها الثانية، نعثر على ببليوغرافيا أخرى، من انجاز الباحث عامر رشيد السامرائي بعنوان "المكتبة الشعبية" وهي حسب تصدير صاحبها لها بمثابة استكمال لما اعتبره ناقصا في مجهود سلفه كوركيس عواد.
وفي سنة 1974 وفي نفس المجلة (العدد الثامن) نجد مقالة مشتركة تحت عنوان: "مصادر دراسة الفولكلور العربي: قائمة ببليوغرافية" للباحثين: د. محمد الجوهري، ومحمد فتحي ع. الهادي وحشمت قاسم. وتعتبر باكورة أعمال (وحدة بحوث الريف) المتفرعة عن (المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية) بالقاهرة خلال سنتي: 1970-1971.
إن هذه المقالة - النواة هي نفسها ما سيقع توسيعه وتدقيقه ليصدر لاحقا (1978) وبنفس عنوان المقالة تقريبا في شكل كتاب ببليوغرافي ضخم ( 719 صفحة) ومتخصص في هذا الحقل الفتي في تاريخ البحث العلمي العربي المتخصص. والكتاب يعتبر لذلك، وحتى الآن أهم وأشمل مرجع في بابه وهو، ما سنعتمده بالأساس فيما يلي من عجالة استعراضية.
عنوان الكتاب: "مصادر دراسة الفولكلور العربي: قائمة ببليوغرافية مشروحة" إشراف: د. محمد الجوهري ومشاركة نفس المساهمين في المقالة إضافة الى: السيدة أنعام عبدالجواد والآنسة وداد مرقس.
هذه القائمة اهتمت فقط بما كتب باللغة العربية تأليفا أو نقل اليها ترجمة. أما المؤلفات أو المقالات... باللغات الأجنبية، فإنها لم تورد منها شيئا، وذلك تقديرا من المؤلفين بأنها متضمنة في ببليوغرافيات غربية. ثم إنها تورد المكتوب في الحقل بمختلف صيفه: مقالة، تحقيقا، تأليفا أو ترجمة، وسواء أكان منشورا أو مخطوطا أو مطبوعا غير منشور فالرسائل الجامعية. أما مصادرها ومراجعها فهي متعددة متنوعة وتحاول أن تكون شاملة لقوائم البحوث والدراسات والتأليف في الوطن العربي جميعه (عشرون مصدرا ببليوغرافيا) وبالنسبة للمغرب فقد اعتمدت مصدرين فقط:
1- الببليوغرافيا المغربية لمحمد الصباغ (تطوان 1956).
2- فهرس المؤلفين والعناوين لمحمد أحمد المكناسى.
وبعد تسجيل المؤلفين في المقدمة للصعوبات التقنية، المتمثلة خصوصا في ضعف وسائل العمل ومواده الأولية وكذا الموضوعية الممثلة خصوصا في صعوبة التحديد وامتناع امكانية التدقيق، ليس وحسب بالنظر لطبيعة الميدان العامة، بل وكذلك لطبيعة التأليف العربية التي يتصف أكثرها بالموسوعية وتعدد الموضوعات. وقد توصلوا في النهاية الى رصد أربعة الاف ومائة وخمسة وسبعين (4175) عنوانا هي حصيلة المجهودات العربية في حقل الدراسات والابداعات الشعبية العربية منذ بداياتها المبكرة والى حدود سنة (1971) وهي السنة التي وقفت عندها هذه القائمة