samedi 3 mai 2008

«تونس المحروسة» بأوليائها الأربعة




تعرف مدينة تونس باسم تونس المحروسة، نظرا لكون المدينة يحرسها من الجهات الاربعة (شمالا وجنوبا، شرقا وغربا) ثلاثة أولياء صالحين من الرجال البررة لتونس وهم: الولي الصالح محرز ابن ابي خلف الملقب بسلطان المدينة وحاميها الاول فالولي الصالح الثاني ابي الحسن الشاذلي، وثالثا الولي الصالح ابي سعيد الباجي الملقّب بريّس الأبحار حامي تونس من واجهتها البحريّة وأخيرا سيّدة فاضلة هي السيدة المنوبيّة التي تضفي على المدينة طقسا روحانيا بفضل تباريكها وكراماتها.
الولي الصالح محرز ابن خلف الصديقي
او سيدي محرز الملقب بسلطان مدينة تونس الروحي ودفينها سنة 413 هـ / 1022م، رغم ولادته بضاحية اريانة سنة 348 هـ / 957م. هو رجل دين وطريقة عرف بورعه الشديد وكرمه الاشد. قضى حياته يعلم القرآن ولهذا عرف بالمؤدب ـ وهو مدفون في المحل الذي كان يلقي فيه دروسه حيث بنيت الزاوية. ويكنّ التونسيون اليهود لهذا الولي بالغ التقدير لانه حماهم واسكنهم في حومة الحارة بالقرب من مسكنه بعد ان كانوا يسكنون خارج اسوار المدينة.
وللولي زاوية في قلب مدينة تونس التي تمتاز بقاعة جنائزية فسيحة تغطيها قبة بيضوية الشكل تستند الى اربعة قوقعات مفروشة بالجص المنقوش. اما الجدران فيغشيها الخزف الملوّن الذي يعلوه افريز من الجص المحفور.يقيم رواد الطريقة الشاذلية المناسك الاسبوعية في هذه الزاوية أيام الاربعاء صباحا ما عدا شهر رمضان.
وغير بعيد عن الزاوية وتيمنا ببركة سلطان المدينة سيدي محرز تم تشييد جامع حامل لاسمه سنة 1104 هـ / 1692م، على يد محمد باي المرادي، نجل مراد الثاني. وهو أهم وأكبر جامع للمذهب الحنفي، ويشكل جامع محمد باي المرادي المسجد الوحيد ذو القبة في تونس، مجسدا بذلك تأثيرا تركيا يذكر بكنيسة القديسة صوفي وبجامع السلطان احمد في اسطنبول وبمصنع السمك في الجزائر.
كما له خلوة تنسب اليه تمتاز بشدة الارتفاع. وقد تم بناؤها بأمر من أحمد باي الاول وحضيت بعناية خاصة وشهرة كبيرة وكان البايات يقومون بزيارة تلك الخلوة الشريف للسكينة والخشوع. ومن بين الخلوات الأخرى التي نسبت الى سيدي محرز مسجد المحرزية الذي يقع في زاوية نهج بوشناق و23 نهج عبد الوهاب والذ ي بادر ببنائه الوزير مصطفى خزندار سنة 1290 هـ / 1873 م.
أبو الحسن الشاذلي
هو أبو الحسن بن عبد الله بن عبد الجبار المغربي، الزاهد، شيخ الطائفة الشاذلية سكن الاسكندرية وله عبارات في التصوّف، ولد رضي الله عنه 571هـ بقبيلة الاخماس الغمارية، تفقه وتصوف في تونس، وسكن مدينة (شاذلة) ونسب إليها، وتوفي الشاذلي بصحراء عيذاب متوجها الى بيت الله الحرام في أوائل ذي القعدة 656 هـ .
تتلمذ أبو الحسن الشاذلي في صغره على أبي محمد عبد السلام بن مشيش في المغرب، وكان له كل الاثر في حياته العلمية والصوفية. ثم رحل الى تونس، والى جبل زغوان تحديدا حيث اعتكف للعبادة وهناك ارتقى منازل عالية ورحل بعد ذلك الى مصر و اقام بالاسكندرية، حيث تزوج وانجب أولاده شهاب الدين أحمد وأبو الحسن علي، وأبو عبد الله محمد وابنته زينب. وفي الاسكندرية اصبح له اتابع ومريدون وانتشرت طريقته في مصر بعد ذلك، و انتشر صيته على انه من اقطاب الصوفية.
ويوجد ضريح ابي الحسن الشاذلي او سيدي بالحسن في أعلى هضبة الزلاّج جنوب مدينة تونس، وقد أعيد بناؤه في هيئته الحالية في نهاية القرن التاسع عشر من قبل الوزير الاول مصطفى خزندار. وقد أعيد بناؤه اربعة عشر مرّة على الاقل. ومن اعلى الهضبة يمتد البصر ليشمل مدينة تونس وكذلك سيدي بوسعيد وقرطاج وحلق الوادي ورادس. ويحتوي المقام على حجرات للزوار وعلى قاعة جنائزية او تربة ثريّة بالزخرف دفن بها عدد من الامراء والأميرات الحسينيين، وتطل القاعة على بهو مفتوح او «صحن» فيه رواقان وصهريج. كما توجد قبالة التربة بيت الصلاة التي تنقسم الى جزءين، تقام في احدهما طقوس الطريقة الصوفية يوم الخميس من كل اسبوع حتى ساعة متأخرة من الليل وعشيّة الأعياد الدينية مباشرة بعد صلاة المغرب.
أبي سعيد الباجي
ولد أبو سعيد بن خلف التميمي الباجي سنة 1156 هـ وتوفي سنة 1231 هـ وكان صوفيا دافع عن الاسلام ضد حملات المشركين عندما كان من بين الجنود الذين يراقبون السّاحل، ووهب نفسه للتأمل والتمارين الروحية وتفرّغ الى الصلاة وتقديم الدروس الى التلاميذ.
دفن أبو سعيد في مدينة سيدي بوسعيد التي سميت باسمه تخليدا لذكراه الطاهرة، ولم يقع بناء جامع الزاوية الا في القرن 18 والذي احتضن ضريحه بأمر من محمود باي والذي شيد لنفسه مسكنا بالقرب من المسجد، ومنذ ذلك الوقت بنت عائلات تونسية عدة منازل على التلة وحول مقام سيدي أبي سعيد لتصبح التلة مكانا للاصطياف والتسلية في جو من الورع الديني اذ كانت تقام احتفالات من أهمها الخرجة التي ما تزال الى يوم الناس هذا.
ويرقد في مدينة سيدي بو سعيد الصغيرة أكثر من 500 ولي صالح على رأسهم سيدي بوسعيد الباجي (ريّس الابحار) وكذلك سيدي الجبالي وسيدي الظريف وسيدي بوفارس وسيدي الشبعان وسيدي الشهلول وسيدي عزيزي وللاّ المعمورة وللا شريفة ابنة سيدي أبو سعيد.
السيدة المنوبية
الولية الصالحة السيدة عائشة المنوبية او «السيدة المنوبية» هي سيدة تونسية عرفت بالتواضع والبركة والحنانة والعفة وتدعى عائشة بنت الشيخ ابي موسى عمران بن الحاج سليمان المنوبي، وأمها فاطمة بنت عبد السميع ومولدها في منوبة غرب تونس العاصمة.
نشأت في حجر ابيها وقد اعتنى برتبيتها فعلمها القرآن الكريم حتى أحسنت حفظه ثم لاحت عليها علائم الزهد والصلاح فأراد أبوها تزويجها بأحد أقاربها فلم تقبل وبقيت على عزوبيتها.
وكان شأنها في ا لعبادة وغزل الصوف وهو مورد حياتها، روى في مناقبها انها ختمت القرآن الكريم في حياتها الف وخمسمائة وعشرين مرة وكانت تبر بالفقراء، والمساكنين ، وتكرم المحتاجين فما تحصل عليه من عمل يدها تصرفه في سبيل الله، يروى عنها انه اذا بات في جيبها درهم ولم تتصدق به تقول: «الليلة عبادتي ناقصة».
وهذا ما يدل على خيرها وحنانها، وكانت ربما تنقطع اياما عن الذكر، ولما تسأل عن ذلك تجيب: «لا خير في ذكر اللسان ما لم يكن القلب حاضرا».
وأخذت السيدة عائشة علوم اليقين عن الصالح الجليل وحبر الصوفية الكبير الإمام أبي الحسن الشاذلي، ولها في شيخها اخبار مذكورة وأحاديث مشهورة يرويها محبوها خلفا عن سلف، وشاع خبر صلاحها في تونس وقطرها فلم تزل معظمة مكرمة الى ان أجابت دعوة ربها يوم الجمعة الحادي والعشرين من رجب سنة 665 هـ على عهد السلطان المستنصر بن ابي زكريا الحفصي، وحضر جنازتها اغلب علماء تونس في ذلك العصر، وآخر كلام سمع منها عند احتضارها:» «ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون». توفيت عائشة المنوبية في سن السادسة والسبعين من عمرها، ولم تدفن بمنزلها، بل دفنت في روضة القرجاني.
ويشير حسن حسني عبد الوهاب في كتابه «شهيرات التونسيات» الى ان الزاوية تقع بمركاض رياض صعود. وتعتبر السيدة عائشة المنوبية من اتباع الولي الصالح أبي الحسن الشاذلي مؤسس الطريقة الشاذلية. وقد توفيت في شهر ديسمبر من سنة 655 هـ / 1266 م. في سن يناهز 76، ودفنت بمقبرة القرجاني سابقا التي اصبحت حديقة اليوم.

جمع وإعداد: صبري- المصدر: جريدة الصحافة (يومية - تونس) بتاريخ 2 ماي 2008