lundi 9 mars 2009

الحكاية الشعبية : الجزء2

غير انه يجب علينا تبين الفرق بين الحكاية والخرافة والاسطورة مع ان بنيتها الحكائية واحدة وهي اختلاق البديع والعجيب واللاواقعي .فالخرافة هي ضرب من الفنطازيا تنحو الى تغليب الجانب العجائبي واللاواقعي لتلبسه ثوبا واقعيا لذا لا تكون للخرافة من وظيفة غير الوظيفة التفسيرية شانها شان الاسطورة التي تتميز عن ذلك بلغتها الخاصة التي تجعلها تتكلم بلسان الالهة تلبس شخوصها لبوس القداسة والشرف وتعبر عن ثقافة مجموعة ما شان مادونه هوميروس في الالياذة والاوديسة او اساطير اهل الكهف والخلق وبدا الحياة وهي اساطير دونت كتب الحكمة الاولى حتى اعتبرها ارسطو "ضربا من حب الحكمة " ويعني تفلسفا ( لان التفلسف يونانيا يعني محبة الحكمة) فهي محاولات لتفسير العالم وبداية الانسان. اما الحكاية فهي نوع اخر مختلف تماما فهي تعالج هموم الانسان اليومية ومشاغله باسلوب اكثر واقعية وان لبست لبوسا عجائبيا او غرائبيا فهو لا يخرج عن سياق البديع اللفظي والمحكي الذي تتطلبه الحكاية كدهاء المراة العجوز ( عزوزة الستوت) او غيرة الاخوات من اختهن الصغرى او حقد زوجة الاب على الابناء او الامانة والصدق ومكر النساء ... لذلك تقدم الحكاية الشعبية وظائفا عديدة يمكن اجمالها حسب الجويلي في ما يلي :
* الوظيفة النفسية : اذ تقدم صورة عالم الخيال والفنطازيا فان الحكاية تعمل على نحت شخصية الطفل بتشكيل جانب كبير من لاوعيه فيسقط ما بداخله على احداث واشخاص الحكايات التي يسمعها ويتقمص بعضها وربما كبت مشاهد ارعبته فحلم بها او سعى الى تجسيدها في الواقع في العابه اليومية كأن يعمد الى اخافة اخوته مقلدا مثلا صورة الغول في "حكاية سبعة صبايا " بترديده جملة الغول الشهيرة "سبعة صبايا في قصبايا يطيح الليل وناكلهم " او في حكاية ابن ادم ترديد الجملة " رد بالك تظهر ابن ادم تقعد على فعلك نادم " ( سنحاول تقديم بعض الحكايات - ما كنا نسميه بالدارجة خرّاف- في تدوينة خاصة كمثل على ما نقول ) . فتظهر هذه الحكايات اول نافذة للطفل على العالم الحارجي وعلى قيم هذا العالم الذي سيطالب لاحقا بالامتثال لها كشرط للانخراط والاندماج الاجتماعي .
* الوظيفة التربوية : لا نعدم وسيلة لبيان ما تلعبه الحكاية من دور تربوي تعمل على نحت كيان الطفل في مجتمع له قيمه ومبادؤه فتصبح هذه الحكايات اول ما يعرفنا معنى الشر وواجب التنبه له وقيم الخير وواجب الدفاع عنه ونبذ الخبث والحقد والمكائد والكسل والحث على العمل والاجتهاد والاصغاء لنصائح الوالدين وحبهم وتعليم البنت معاني الحفاظ على العرض والولد معاني الشجاعة والذكاء ( في حكايات علي بالسلطان واليداس والعزوزة والشيطان ووديعة اللي متلفة السبيعة وابن ادم وهي تتقارب في مضمونها من حكايات عالمية تفتحت نفوسنا عليها مثل ذات الطرطور الاحمر او النملة والصرار او العنزات والذئب ...) .
الوظيفة الترفيهية : كل حكاية تحمل جانبا من المتعة يعيشها المتلقي وهو يحلق بخياله في اجواء تنسيه هموم الواقع الاسن .ترفيه في ظاهره لا يخلو من مقاصد تعليمية نبيلة في باطنه كما سبق ..حتى ان المتلقي كان يصغي بشغف كبير للحكاية على ان لاتعكرها ايه انقطاعات واسلوب الراوي قد يزيد المتعة والتشويق كما ان زمن الحكي الذي عادة ما يكون بالليل يزيد المستمع شوقا في لحظة يحتاج فيها الذهن الى جموح الخيال قبل ان يستسلم لعالم الخيال الحقيقي في النوم بل ربما هي حاجة نفسية لتنقية الذهن من شوائب يوم كامل قبل ان يخلد للراحة او ربما قد نفسر هذا الشوق بالرغبة في متعة الطفولة ذاتها اليس الكبير الذي يروي الحكاية ويحفظها وينقلها او الذي يسمعها هل تعبير نفسي عن رغبة في العودة للطفولة التي لاتعود ( انظر تفسيرات فرويد للاحلام وماركس للفن) .

يتبع