dimanche 4 avril 2010

النكتة كأداة للانتقام صورة المرأة في النكتة العربية : لافا خالد



النكتة كأداة للانتقام
صورة المرأة في النكتة العربية

لافا خالد

إذا ما حللنا صورة المرأة في ذهنية الآخر: هي ماكياج ومُلحق ذكوري بواجهة الأنوثة في سياسة الرجال، فوتو موديل تُزَّين صَدرِ صفحات صحفهم البيضاء منها والصفراء، شفاه مُكتَّنزة في عجز فضائياتهم، جسدٌ لإثارة رغبات المُتلَّقي في وسائل إعلامهم، أما في نُكاتهم، فهي المُتهافتة على الرجال ومُخرِّبة بيوتهم وتعدد حكوماتهم، قاطعة لأرزاق البلاد ومُهلكة لعبادهم، مُتعاونة مع الشيطان برغبة تنتهي في عالم رذائلهم، لِسانها لا يتوقف كساسة عصر فضائياتهم.

هي صورة المرأة في النكتة العربية، صورة مشوهة رسمها موروث شعبي لرجال جعلوا من دونيتها وسيلة لديمومة هستريا الضحك، عبر النكتة و مرادفاتها (المزحة، السلبة، القفشه، الطقطوقة) رُغم وجع الحصار، حصار الجسد و الروح تارة وحصار الفكر كل الأوقات. صحيح إن النكتة لها مميزاتها وأدوات التعبير عنها، لها مادتها وفضائها، صحيح إنها عالم تتداخل فيها السياسة ولعبة الكلمات، ولكنها، في النتيجة النهائية، تقع ضمن دائرة الحرب النفسية كجزء من صراع الشعوب والطبقات، الأجناس والديانات، الدول والأقاليم إضافة إلى كونها أداة لتوازن نفسي بغرض تخفيف الأعباء الناتجة عن حالات اللاتوازن عند الفرد و تواصله مع محيطه الاجتماعي. النكتة ليست وليدة اللغة في ظرفها الحالي وأجواء إنتاجها، فهي مرتبطة بجذور تستمد أجواءها من صراعات تاريخية أو صراعات قيد التشكل، فعلى سبيل المثال تطلق النكات في الولايات المتحدة على رعاة البقر، وفي فرنسا على البلجيك، وبلغاريا على أهالي غابرفو، وفي ألمانيا ضد الانكليز والفرنسيين، وفي تونس على أهالي سوسة، وسورية على أهالي حمص، والعراق على الأكراد، ومصر على الصعيدي، والسويد على أهل النرويج. إذن لا يمكن فصل النكتة عن أشكال الصراع وتعدد هوياته. السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل أنصفت النكتة، وعالمها الخاص والغرائبي، المرأة منذ مؤسس تراجيديا الهزل الإغريقي "أرستوفانيس" وثلاثيته الرائعة مرورًا بالجاحظ، ورائعته كتاب البخلاء، وبديع الزمان الهمذاني وأبي فرج الأصفهاني وعبد الله بن المقفع والأصمعي والتوحيدي لحين عصر النكتة عبر الشبكة العنكبوتية التي احتضنت بلا حواجز مواقع للنكت وأقسامها؟ سؤال نجد إجاباته في عالم النكتة التي رسمت صورة المرأة بذات القياس والألوان رغم اختلاف المجتمعات والحضارات ومستوى تطورها. المرأة والنكتة تمثل عملية تقليص أو تضخيم لجسد المرأة وقدراتها، تضخيم جزء من جسمها (اللسان) والجسد كموضوعة للجنس وتقزيم ما يميزها عن بقية الكائنات (العقل والروح).

لسان المرأة

تُصور النكتة العربية المرأة سليطة اللسان ولا تتوقف عن الكلام في تافهات الأشياء. كلامها مرُ بل سُم زعاف. تقول النكتة: "قيل لرجل إن حماتك ماتت مسمومة، فقال على الفور: لا بد وأن تكون قد عضت لسانها". والمرأة العربية رغم مصادرة كل حقوقها يريدونها أن تصمت وتمتنع عن الكلام إن كان مُباحًا أو في صلب الممنوع في ثالوث المُحرمات (الدين والجنس وصراع الطبقات). تقول النكتة: "قال متزوج لصديقه: إنَّ زوجتي تحتاج ساعات لتتكلم في موضوع واحد، فقال صديقه: إن زوجتي لا تحتاج حتى إلى موضوع". قالها بعد أن أنهى الكلام عن المُحَدد له بأمر السلطان، قالها في مقهى يمتد من المحيط إلى المقهى ومن المقهى إلى الخليج، قالها في مقهى يستهلك حديثهم المستهلك المنتهي مفعوله والغيرُ صالح للاستهلاك البشري، لأنه وببساطة حديث الخيمة في مدن معولمة.

جسد النساء

جسد المرأة ورغباتها تمثل المساحة الكبرى في فضاء النكتة العربية نتيجة للكبت الجنسي والفراغ الفكري في المجتمعات الشرقية. المرأة تمثل الرغبة الجنسية وطاقتها التي لا تعرف الحدود والعمر البيولوجي، على خلاف الواقع الشرقي الذي يقتل فيها كل الرغبات، بدءًا بختانها وانتهاء بالمحرم الاجتماعي والديني. النكتة العربية لا تحترمها حتى كأم: "قال احدهم لأمه مازحًا عندما جاءها بطبق من المهلبية: هل تتزوجين يا أماه أو تأكلين هذه المهلبية؟ فقالت له: يا ابني الله يرضى عليك... وهل لي أسنان للمهلبية". وآخر يقول: "مرضت عجوز فأتى ابنها بطبيب فرآها متزينة فعرف الطبيب حالها فقال: ما أحوجها إلى الزواج، فقال الابن: وما للعجائز والأزواج، فقالت العجوز: ويحك يا بني أأنت اعلم من الطبيب". وتبلغ النكتة ذروة احتقار المرأة حينما تصورها بأنها تعتبر انتهاك جسدها جزءًا من الشرف حيث تقول إحداهن بعد أن سُرقت في الباص وذهبت إلى الشرطة: "سألها الضابط: فلوسك كانت فين؟ قالت: في "الحمالة"، قال لها هو أنتي ما شعرتيش بالحرامي وهو يسرق الفلوس في المكان الحساس ده! قالت: ما كنتش فاكراه حرامي افتكرت قصده شريف". إن الرجل الشرقي حينما ينتفض ويقتل أخته أو زوجته لمجرد سماع دعاية عنها، كيف له أن يتحدث عنهن أو يسمع ما يُنَّكت عنهن بهذا الشكل، هل إن بعضهم يفضلها كما هي في نكاتهم؟

خيانات النساء

مقدمة النكتة التي تتناول الخيانات الزوجية تبدأ بـ (كانت واحدة تخون زوجها...) خيانة المرأة تمثل نص النصوص في موروثنا، فالليالي الألف وبعدها بواحدة حيث نعيش تفاصيلها كانت نتيجة لخيانات النساء وأجواءها تعج بمفرداتها. النكتة المعاصرة تعيش ليلة غير منهية من ليالينا الألف، حيث يروي أحد شخوصه: "قال الصديق لصديقه: ما هي إخبارك الجديدة؟ فأجابه صاحبه بحزن: اسكت لقد اكتشفت أنَّ زوجتي تخونني، فقال له: إنني أسألك عن أخبارك الجديدة". كم امرأة تقول لصديقتها إني أسالك عن أخبارك الجديدة؟

كوابيس ومكر شيطاني

حياة الرجل مع زوجته في النكتة العربية جحيم أرضي بالرغم من أنَّ آدم لم يحتمل فردوسه السماوي، فطلب من الرب من يؤنس وحدته، فكانت هدية الخالق عبارة عن حواء. رغم تلك الرموز اللاهوتية المفعمة بالجمال فإنَّ المرأة في النكتة العربية تمثل نسلاً شيطانيًا ليس إلا، حيث: "تقول واحدة منهن لزوجها: يا ليتني أخذت إبليس ولا أخذتك، قال: لا استغفري ربك يا امرأة... ما يجوز أخ يأخذ أخته". حياة الرجل في النكتة العربية كابوس لا ينتهي إلا بكابوس في مفردة الزواج أو في خيارته من المثنى والثُلاث والرُباع وما ملكت أيمانهم من كوابيس يختارونها. "تقول المرأة لزوجها: تصدق إن أنا كل يوم بحلم بيوم جوازنا، قالها: هي لسه الكوابيس دى ‏بتجيلك؟". وتبلغ دونية المرأة حينما تكون المرأة أمًا للزوجة، ففي اقتباسة من الأفلام المصرية التي تمثل الحماة فيها الملحق الأسوأ في الزواج تقول النكتة: "واحد منع زوجته من زيارة أهلها بيخاف على حاله من أنفلونزا الطيور، قالت له زوجته: بس أهلي ما عندهم لا بط ولا دجاج ولا طيور، جاوبها: بس أمك بومة".

نعم نعتوها بمختلف المصطلحات وصوروها كذلك بمختلف الأشكال والتبرير أنها مزحة أو نكتة خفيفة، ومهما منحوها مقامة وقدرًا لكنهم أهانوها وذبحوها من الوريد للوريد ولازالت الخطيئة مستمرة في معاقبتها ومحاصرتها نفسيًا تحت ستار: أضحكي يا حبيبتي. أنا أمازحك. إنها نكتة! متناسين أنَّ أشد أشكال العنف ضد المرأة هو العنف النفسي، وأنَّ الانتقام منها عبر النكتة هو أشد قتلاً لروحها من طعنة سكين.

* * *

نكتة كئيبة: لم تكن النكات المقتبسة في المادة دعوة للضحك بقدر كونها نماذج نطرحها بغرض تغيير صورة المرأة في النكتة العربية... لا تقل (خيرُ البلية ما يُضحك)، قل (أعمق ضِحكاتنا تُبرز شرُ بلايانا).

رابط المقال:http://www.maaber.org/issue_march10/lookout2.htm