vendredi 2 avril 2010

التصوف والموسيقى:نموذج جلال الدين الرومي- الطريقة المولوية.


كان القدامى يولون اهتماما بالنفس اكثر من اهتمامهم بالجسد وملذاته وذلك لانهم كانوا يرون ان العالم مقسم الى قسمين واحد فان زائل هو الذي نعيشه والثاني خالد ابدا هو ما نطمح الى وصوله ولهذا السبب لا نجد عند فلاسفة اليونان الا ما ندر اهتماما بالجسد فتفكروا في النفس وما يطربها ويقربها من عالم العليين ويحفزها على نسيان الجسد - هذا الخبيث كما سماه المعري- او قبر الروح كما سماه افلاطون - وتتخلص من كهفه المظلم ...فكانت الموسيقى احدى تلك العلوم التي ترقى بالنفس الى مراتب الالهة ...

والموسيقى هي فن او علم تنغيم الاصوات - انما التناغم من تناغم الكون -يقال ان واضعها هو الرياضي الاسكندراني فيثاغورس الذي كان قد رأى في المنام لثلاثة أيام متوالية حسب بعض الروايات القديمة - أن شخصاً يقول له قم واذهب إلى ساحل البحر الفلاني ، وحصّل هناك علماً غريباً. فذهب من غد كل ليلة من الليالي إليه فلم ير أحداً فيه، وعلم أنها رؤيا ليست مما يؤخذ جداً فانعكس، وكان هناك جمع من الحدادين يضربون المطارق على التناسب فتأمل ثم رجع وقصد أنواع مناسبات بين الأصوات، ولما حصل له ما قصده بتفكر كثير وفيض إلهامي ، صنع آلة وشد عليها إبرسيماً وأنشد شعراً في التوحيد وترغيب الخلق في أمور الآخرة فأعرض بذلك كثير من الخلائق عن الدنيا، وصارت تلك الآلة معززة بين الحكماء ولهذا السبب صنفها افلاطون ضمن علوم الرياضة وصنفها ارسطو ضمن العلوم ولما جاء الشيخ الرئيس ابو علي ابن سينا اضاف لذلك ادخال الموسيقى في الطب فاصبحت ترياقا للنفوس ينصح بها في البيمارستانات - دور العلاج- فكان يرى أن بعض النغمات يجب أن تخصص لفترات معينة من النهار والليل . ويقول : (من الضروري أن يعزف الموسيقار في الصبح الكاذب نغمة راهوى وفي الصبح الصادق حُسينى، وفي الشروق راست، وفي الضحى بوسليك، وفي نصف النهار زَنكولا، وفي الظهر عُشّاق، وبين الصلاتين حِجاز، وفي العصر عِراق، وفي الغروب أصفهان، وفي المغرب نَوى، وفي العشاء بُزُرك، وعند النوم مخالف.
واذا علمنا ان ابن سينا هو في الحقيقة من مؤسسي مذهب التصوف العربي او ما سماه بالحكمة المشرقية - ومنها الاشراق او الالهام الروحي او الفيض راجع هنا مقدمة كتاب حي بن يقظان لابن طفيل -فاننا لن نتكبد مشاقا في معرفة العلاقة بين التصوف والموسيقى .
فالتصوف من حيث الاصل اللغوي قد يعني الصفاء - صفاء النفس - وقد يعود اصلها كما ذهب البعض الى عبارة صوفيا اليونانية التي تعني الحكمة وسنرى العلاقة واضحة بين المعنيين وقد تكون من لابس الصوف - المتصوف - لانه زهد الدنيا فلا ياكل الا ما يسد الرمق ولا يلبس الا ما يستر العورة -وهو المعنى الذي نجده عند ابن عربي - فالتصوف هو " رياضة النفس ومجاهدة الطبع بردّه عن الأخلاق الرذيلة" كما يعرفه ابن الجوزي في تلبيس ابليس .غير اننا نجد خيطا ناظما بين افكار المتصوفة ومذاهبهم على اختلافها هي ايمانهم بفكرة وحدة الوجود -
pantheisme- فالوجود واحد لان خالقه واحد لذا لا يفرق المتصوفة بين المذاهب والشيع بل تصل افكارهم احيانا الى حد الخلط مع الشرك لذا تم تكفير الفرابي وابن سينا وحرقت اعمال ابن طفيل - واتهم الحلاج بالزندقة حين قال " ما في الجبة الا الله " ...الخ غير انهم ابعد ما يكونون عن الكفر او الشرك ...فايمانهم طاهر ودينهم واحد والههم واحد مهما اختلفت المسميات ..
لذا سنجد الشيخ الفقيه الحكيم جلال الدين الرومي صاحب الطريقة المولوية - بلخي انتقل الى سيواس ثم الى تركيا ومات في قونية سنة 672 ه


يقول :

نَفْسي، أيها النور المشرق، لا تَنْء عني لا تَنْءَ عني

حبي، أيها المشهد المتألِّق، لاتَنْءَ عني لاتَنْءَ عني

انظرْ إلى العمامة أحكمتُها فوق رأسي

بل انظر إلى زنار زرادشت حول خصري

أحملُ الزنار، وأحمل المخلاة -( يشير بها إلى الهندوسية، لأن البراهمة منهم يحملون المخلاة للاستجداء(.

لا بل أحمل النور، فلا تَنْءَ عني، لا تَنْءَ عني

مسلمٌ أنا، ولكني نصراني وبرهمي وزرادشتي

توكلتُ عليك أيها الحق الأعلى، فلا تَنْءَ عني لا تَنءَ عني

ليس لي سوى معبدٍ واحد، مسجداً كان أو كنيسة أو بيت أصنام

ووجهك الكريم فيه غاية نعمتي، فلا تَنْءَ عني لاتَنْء عني.

بل تتجلى وحدة الوجود وتأثره الواضح بالحكمة المشرقية حين يقول على لسان البسطامي :

"ان الله هو ما تراه فيَّ بعين قلبك؛ لأنه اختارني بيتاً له، فإذا رأيتَني فقد رأيته، وطفْتَ حول الكعبة الحنفية، وإذا عبدتَني فقد عبدتَه وسبَّحت له، فلا تظنَّ أنني شيء غيره."

فأن تقرأ للمتصوفة فأنت تستمع لنشيج الروح لحديث البدايات الاولى وان تسمع موسيقاهم فأنت تقرأ في حركات اجسادهم تناغم الاشياء وحدة الوجود وانتظامه - انه خطاب الوحدانية الخالصة .