vendredi 19 septembre 2008

الشاعر الصعلوك م. المهدي بن نصيب في ذكرى رحيله... بقلم عبد الجبار العش

عن مدونة الشاعر عبد الجبار العش وتحية لروح المهدي بن نصيب لانه مات اعزلا ولم يكف عن النباح في ازقة دوز الخالية ؟؟؟وسيكون لنا عودة لهذا الشاعر في مناسبة اخرى لتقديمه وتقديم اعماله .

إلى الشاعر الصعلوك

المهدي بن نصيب

في ذكرى رحيله

121624

صديقي محمّد المهدي بن نصيب ، ها أنا ذا أستعيد الزّمن الضائع ،أضع اسمك في مقدّمة روايتي محاكمة كلب بين ملعونين منوّر صمادح و علي شورّب وأرفع صوتي بالنباح، لتسمعني . لقد خبرتُ حياة الكلاب ، لذا أسمع نباحك أيّها النائم في عروق الرّمل ، فـألوّح بذيلي وأقعي حذو رمسك.

كنتَ منبوذا كنبّي . نزقا كطفل مهجور ، شبقا كتيس . كنت وجهنا الآخر ، سرّنا العلني، كنتَ سيّد الانتهاكات وشاعر الحواس المطوَّقة. أخذ منك قدرك طلعة الطفل وألقت بك الحياة على الهامش، فخرجت على الناس مشهرا توقك الموءود للحياة.اختلستَ أفراحًا نادرة وكرعت كل نبيذ الكون في كأس دهاق. قرأت ببصيص النور المتلاشي في عينيك ما لا يقرأه الرّائي ، وكتبت جمال الشّاعر المتخفي خلف موميائه.

طوردتَ كمعتوه ، ورُجمت كزنديق و أُرسلت إلى مأوى المجانين (أتتذكّر حين زرتك في المأوى بالضاحية الشمالية لصفاقس بعد أن أعلمنا الميداني بن صالح بوجودك) .كنتَ يومها مبهوتًا كطفل أخذوه إلى مأوى الأيتام.

أتتذكر أوّل أغنية من كلماتك :

أغنياتي من سنا الكدح وأصوات المعاولْ

من دموع الشرّدِ الأيتام أستلهمُ ألحاني ..وشعري

من طوى العُمال .. من طيف المناجل

من سني القحط في قريتنا

حين كان الحلم خبزًا ...ومياها ..وسنابل

من شقوق هي للعامل دفع

وسطور خطها الكدح على أيد تًناضلْ

***

أغنياتي هسهسات السعف الحالم في حقل النخيل

زقزقات البلبل الصدّاح أنغام هديل .

يا مهدي مازال إيقاع الأغنية ، التي لحنتها فرقة جذور يتصادى بين كثبان الرمال ومازال ديوانك كلمات للحب والوطن صامتا كوردة الصحاري .

وها أنني ابتسم وأنا أقرأ ردّك في غلاف الديوان على الشاعر يوسف رزوقة الذي قال : هذا الشاعر مسكون بالعذاب ، شعره نبع ألمّي و تفجّعات ،ونحن نسأله الإشفاق على نفسه والإمعان في السفر بها ليتوفر فيها الفرح النادر والأمل الأخضر ... فأجبتَه :

أنا حلمهم ..

والأكف التي رُفعت للسماء

وأقسم أني ..

سأزرع سنبلة العشق قرب الرباط

ليسقيها الدفق ماء الفرات

ويأكل من حبّها الأشقياء

أي نعم لافظ فوك، وهل يقدر من عاش حياة كلاب على الإشفاق على نفسه هل كان يمكن إلاّ أن تكون حياتك احتجاجا أبديًا على ما اختلِس منك، احتجاجا ضد القبح والفقر والشقاء.

أنت أيها الرّوح الغاضبة التي تصعد من الجحيم لتروّع الأحياء المتغطرسين أنت الذي قاومت بالمخالب والأنياب والنباح من أجل حقك في الحياة، أنت الذي نسّبت القبح وفضحت الرغبة، وملكت جسدك فلم تشفق على الزائل فيه .

كنت تعرف أنّه خائن غادر لا عهد له ولا ميثاق ، لم تمهله ليسترجع أنفاسه ، أنهكته ملأته استنفدت كلّ قواه وحسنا فعلت .لأنك لا تحتمل الشفقة ، فلا جدوى من أمسية شعرية تجلس فيها ويقرأ الآخرون نيابة عنك . لا جدوى من حياة الرّجم والمطاردة .ولا معنى لنساء خيالك يهربن حتى من زواج أصابعك .لا معنى لأطفال لن يولدوا إلا في الكلمات .

فيا صديقي ها أنك اقتربت من الملاعين الذين افتقدناهم رغم أن وجودهم بيننا كان مروّعا .الآن صرت حذو محمد رضا الجلالي و منور صمادح و بلقاسم اليعقوبي (أتذكر أوّل لقاء جمعنا في بيت اليعقوبي سنة 1983) هم مثلك كانوا مفردين إفراد البعير المعبّد .قلّة من كانوا يحتملون نزواتهم و شطحاتهم و تجلياتهم وهشاشتهم و حماقاتهم ، هؤلاء عائلتك رفاق السوء . ونِعْم الرفاق.

لم يُنصَفوا أحياء مثلما أنصِف أبو نواس رغم ولعه بالغلمان أو مثلما أنصف جان جينيه الذي كان لصًا وجنسيّا مثليّا ، أو محمد شكري الصعلوك الشريد . مضيتم إلى مملكة الصمت يائسين من الأحياء

. الأحياء الذين يرجمون الخارجّي والمختلف والمريض والمعاق والشاذ والفقير والأسود واللقيط والمومس والمخنث والناجح والعالم والغريب والعاشق .فتبا لهم والمجد لكم يا أصدقائي الكلبيين.

واسمح لي يا صديقي المهدي يا ابن العوينة يا ابن دوز الجنوبي، أن أهديك هذا المقطع الشعري باللهجة العاميّة في الذكرى الخامسة لقرارك بالرحيل .

بدَا يولّي مهبول

وكان أقوى من هَمّ الدّنيا بهبالوُ

غارق خانس في بستان خيالو

الضحكة سلاحو

وكِي يجُوعْ يلحس جراحو

وكِي الدّنيا مرّة تفاجيه

بفرحة اكبر من سِنّيه

وفرمشة عِين

تسرقها من بين إيديه

لا يندم ولا يبكي عليها

ويضحك ع الدّنيا و ما فيها

وقليل الفهم يضحك عليه ‼

بدا يولّي مهبول

وكان يَقدَر يعصر كل عنب الدنيا فكاس

ويسكر بيه

وكان يقدر ينحت كل صبايا العالم

فتمثال ويعدّي عمرو يعشق فيه

وكان يقدرْ

يجمع كل كنوز الدنيا

يحرقها ويدّفى عليها

وكان يقدر

يجمع كل سنين حياتو

وبلعبة وحدة يقمّر بيها

صديقك الكلب: عبد الجبّار العش