mardi 16 septembre 2008

العادات الشعبية بين السحر والخرافة؟؟

كتابُ "العادات الشعبية بين السِّحر والجنّ والخرافة"
مقال قراته (هنا) يقدم كتاب جديد جدير بالقراءة كتاب "العادات الشعبية بين السحر والخرافة "هو في الاصل رسالة دكتوراه لاديب وشاعر مصري شاب هو فارس خضر الكتاب يتحدث عن العادات الشعبية في مصر من وجهة نظر انثربولوجية وفلسفية عن العادات الشعبية في مصر وتناقضات هذا المجتمع بين الانفتاح على موجات الحداثة المعاصرة وانغلاقه على عادات قديمة اعتقد انها لاتميز مصر وحدها بل مازالت تحكم مجتمعاتنا العربية برمتها ..فتواجد الانترنت والحاسوب والدش في بيت مواطن عربي لا تلغي انشدادنا الى العرافات وزيارة القبور والتبرك والتطير ووو ..هل هو تناقض يحكم ثقافتنا العربية الهجينة التي لم تعرف الاستفادة من المشهد الثقافي المعولم ؟؟ام طبيعة هذه الثقافة المأزومة المحكومة بالجهل والتخلف الفكري الذي ما زال يحكم اتجاهاتها العامة ؟؟موضوع جدير بالمراجعة والاستزادة ...
نقرا المقال :


فاطمة ناعوت*: فارس خضر شاعرٌ مصريّ شاب، يترأس حاليا تحرير مجلة "الشِّعر" المصرية العريقة، التى تصدر عن مؤسسة الإذاعة والتليفزيون المصرية.

وكان استهلَّ رئاسةَ تحريرها، فى ستينيات القرن الماضي، الناقدُ الكبير د. عبد القادر القط، ثم تلته مجموعةٌ من أدباءِ مصرَ هم بالترتيب: الشاعران عبده بدوي، فتحى سعيد، الروائى خيرى شلبي، ثم أخيرا المترجم أحمد هريدي. عدا عدد واحد يتيم صدر عام 1972، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ورأس تحريره وقتئذ الشاعر صلاح عبد الصبور.

وعلّها إحدى البارقات النادرة التى توْكِلُ فيها المؤسسةُ الثقافية الرسمية المصرية إحدى المهام الكبرى لأحد الشباب، بدلا من التكلّس الوظيفيّ السلفيّ الذى أودى بالثقافة إلى الحال المتردية التى تشهدها مصر الآن. هو شاعر موهوب وجاد يعمل على مشروعه الخاص فى هدوء بعيدا عن الصغارات والنزاعات الخاوية التى يلجُها، من أسف، الكثيرُ من شعراء مصر الشباب فتفرّغُ طاقاتهم الإبداعية وتئد مشروعاتهم، ويعلو، من ثم، شعارٌ يقول: مصرُ لم يعد بها شعراء!

أصدر الشاعر حدّ الآن منذ العام 1998 ديوانين، هما "كوميديا، الذى مرَّ من هنا". كما أصدر عام 2004 كتابا بحثيا عنوانه "ميراث الأسى" ويدور حول الصور المتخيلة عن الموت لدى الوعى الشعبي، كان هو موضوعةَ رسالة الماجستير التى نالها قبل أعوام.

ومؤخرا أصدر كتابا مهمًّا، وممتعًا، عن منشورات مجلة الإذاعة والتليفزيون عنوانه "العادات الشعبية بين السِّحر والجنّ والخرافة"، علّه كان ثمرة رسالة الدكتوراه التى أنجزها مؤخرا.

يطرح الكتابُ إشكاليةً تسهم بشكل أساسيّ فى تأخر المجتمعات العربية الراهنة بشكل عام، والمصرى على وجه خاص. ظاهرة الارتكان نحو الغيبيّ الميتافيزيقيّ فرارا من قسوة الواقع وقمع النظاميْن الاجتماعى والسياسى اللذيْن يقعون تحت وطأتهما.

يقول الباحث فارس خضر فى مقدمة الكتاب: "إن الذين يُغلّبون الجانبَ الميتافيزيقيّ على الجانب الماديّ، يقومون بتعجيز الحاضر لصالح الماضي، وتركيع اللحظة الراهنة، بثقلها، أمام لحظاتٍ منتهية؛ لحظاتٍ مشحونة بقوة وجدانية، لأن لها خفّةَ الغائب ليس إلا. هكذا يلعبُ الحنينُ دورَه، فسهّل على بعض الاتجاهات دفعَ العقليةِ الشعبية نحو ما تظنه "الخلاص"، وهو ليس أكثرَ من نوبةِ رجوعٍ وانكسارٍ وهزيمة. فما كان من هذا الدفع إلا أن أحدث خللا لآليةٍ من أهم آلياتِ العقل الجمعيّ، وهى المواءمة. المواءمة بين ما ترثُه- بحلوّه ومرّه- وبين ما يُستحدث من منجزاتٍ تُضاف إلى رصيد خبراته الإنسانية بصرف النظر عمن أبدعها.

هذه المواءمةُ هى التى تجعلُ العقليةَ الشعبية توازنُ، طوال الوقت، بين الجانبيْن "الميتافيزيقيّ والماديّ"، دون أن يطغى أحدهما على الآخر. فلا عجبَ إذن أن نلمح "الدِّش" على سقف أحد بيوت الريف المصري، وفى إحدى حجراته جهاز كمبيوتر، بينما تُعدُّ الأمُّ فى الداخل "طاسة الخَضَّة" لابنها المريض!!."

ويرى الباحثُ أن هذا الموروثَ الميتافيزيقيّ يلبى احتياجاتٍ نفسيةً أساسيةً لمطبقيه بدليل استمراره طيلةَ هذا الزمن، وهو ما دفعه إلى تأمله ودراسته انتصارا منه لشريحة من البشر البسطاء تخلّوا عن الزيف والتأنق. شريحة من المصريين اِستُلبَتْ حقوقُهم وانكسرت ظهورهُم تحت وطأة الجهل والفقر والمرض فغدا ملاذهم ورهانهم الأخير هو الحكايا والغناء واليقين الذى ينسجونه من أحلامهم وتصوراتهم بصرف النظر عن مدى توافقه مع العلم والواقع.

هذا اليقين يساعدهم، ليس وحسب على تفسير ظواهر اجتماعية ظالمة تكرّس التفاوت الطبقيّ السافر، بل تساعدهم كذلك على حل مشكلاتهم المرضية والنفسية من طريق اللجوء إلى قوى علوية غيبية وممارسة طقوس وإن اقتربت من الخرافة إلا أن الدرجات القصوى من الإيحائية التى ينالونها جراءها تؤتى بالفعل بثمارها.

وهو ما يسميه علم النفس "استحثاث القوى والطاقات الكامنة". وعلّ ذلك يقترب من عوالم مذهب "الزِّن" البوذى الذى يفعّل هذه الطاقات البشرية الكامنة اللامحدودة عن طريق الإيمان بشيء ما وتصديقه.

يتقصى الكتابًُ بعض التفاصيل الدقيقة لأهم العادات الشعبية الذائعة الصيت فى الريف المصري. تلك التى تتعلّق باسترضاء كائنات فوق طبيعية غير منظورة من جنٍّ وعفاريت وقرائن وملائكة حارسين. ويلجأ القرويون لمثل هذه الاسترضاءات لدفع ألوان من الشر، سواء على نحو وقائيّ استباقى لدفع ضرر محتمل، أو على نحو شفائى لرفع ضرر قائم بالفعل جسدى أو نفسي.

يتناول الكتابُ فى الفصل الثانى ظاهرة "المشاهرة" التى تصيب المرأةَ أو وليدها إن هى لم تلتزم بتجنب مجموعة المحظورات التى حددها السلفُ الجمعيّ. وهو ما يسبب إعاقة للمرأة ما لم تقم بممارسة طقوس "فكّ" المشاهرة. من تجليات هذه المشاهرة جفافُ اللبن لدى المرضع، او إصابة وليدها بعطب ما.

ومن الطقوس الشافية لها تخطية المرأة فوق الدم أو الذهب أو فوق أثر فرعونيّ قديم.

ومنها وقوف المرأة المشهورة تحت السماء ليلا وغناؤها: يا قمر يا جديد/ خُدْ مشوهرتك من بين إيدي/ وادينى مشوهرتي". أو غناء الرفيقات: "اطلعى يا عين يا معيونة/ اطلعى يا كلبة يا زربونة/ اطلعى تُقرشى على أسنانكي/ وشعركى فى دوانكي/ رميتكى فى البحر الغطّاس وضربت عليكى بالرصاص..."
وخصَّ الفصلُ الثالث ظاهرة الرجل "الملموس" وعلاجه بطاسة الخضة وسراج الضريح واستحضار الأرواح. فيما الفصل الرابع تناول الطفل "المبدول" وطرق رقيه من العين المعيونة بالاستحمام بدم الطيور أو إلباسه عقودا مصنوعة من حبّات البقول أو النقود.

أما الفصل الخامس والأخير فجاء مثل بانوراما حكائية يطرح فيها الباحث أهم الحكايات الشعبية المتداولة فى الريف المصري، أصلها ومراسمها وظرفها وطرائق التعاطى معها.
مثل الملائكة التى تأكل الأرز، والعفريتة المحروقة، والعروسة وابن ملك الجان، وشنطة الفلوس، والجمل والجمّال، والعمل البطّال، وصرخة الفراش، وحكايات الملائكة الدوارة، وغيرها.

لم ينس الباحث تزويد القارئ بأسماء مراجع وأدلة حال احتياجه الاستزادة من المادة، كذلك وضع باب البحث فى معجم لسان العرب للوصول إلى جذور الكلمات والمصطلحات الشعبية التى ترد فى الكتاب.

هذا كتابٌ ثريٌّ وممتع يُعدُّ إضافةً تحتاجُ إليها المكتبةُ المصرية والعربيةُ، سيما فى هذا الزمن الآفل الآخذ فى الجنوح نحو الغيب تزامنا مع الابتعاد بخطى حثيثة عن العلم والمنطق، وإن أخد من التحضّر والحداثة قشورا فارغة.
ـــــــــــ
* كاتبة واديبة من مصر.