dimanche 17 août 2008

رحلة في عمق الصحراء مع "الربايع" : د.مصطفى الكيلاني ؟؟؟


قصر غيلان


الدخول إلى صحراء دوز في أقصى الجنوب التونسي هو بمثابة الانتقال من وجود إلى آخر .من زمن الذات العربية الملتبسة ومكانيتها المهزوزة إلى زمن ذات بكر مهددة هي الأخرى بالتورط في الالتباس .إن لم تستمر في التشبث بمواطن القوة الروحية الضاربة في قدم الذات وثراء مراجعها الانتربولوجية والأسطورية أيضا . وقد جرت عادة التفكير أن يرتبط كل من الحضارة والثقافة والحداثة بالمدينة في حين تنتفي هذه الدلالات أن الحديث عن الصحراء كان نستعير دلالة الاشتقاق اللغوي عن الصحراء للتدليل على فقر المعنى كتصحر العقل أو الذهن والتورط في المكان –المتاهة وانتفاء علامات الاتجاه لدى السائر العادي الذي لم يختبر مسالك الرمل وقيافة العابرين مكانا وكيانا .

لا شك أن قصر غيلان وجه آخر للعمارة وهو الذي ولا يزال يفارق بين مدينة دوز التونسية والصحراء الغارقة تماما في امتداد رمالها .وما تبقى من حجارة في أعلى التل يشرف على مدى رملي:هو السراب والواقع الطيف والماء الساخن ترسله عين بل عيون.

..وما لفت الانتباه في شتاء هذا العام 2008 أن صفحة بيضاء من كتاب الصحراء بعد أن مررنا من قصر غيلان تشيء بإسرار أخرى عجيبة .يكفي أن يقترح ثلة من أصدقاء دوز الأوفياء السير ميلا فحسب في اتجاه واد صحراوي كي نصل إلى إحدى عائلات "الربايع " من عرب رحل لا يعترفون بالحدود وليس لهم من بطاقات الهوية ما يثبت انتمائهم إلى الجزائر أو تونس .لان المكان هو المكان مغاربي عربي إذ هم جزائريون تونسيون أو تونسيون جزائريون أن أصررنا على النظر إليهم بمسبق دلالة الحدود بلا حدود


.


.


سرنا خطوات إلى موطن الضغن هناك بادرنا بالتحية ثم سالت جباري الطفل الربايعي أو الربعي : من أي بلد أنت ؟ فأجابني دون تردد : أنا من هذا المكان .ولأنني غير قادر على التخلص من جغرافية الحدود توجهت بالسؤال إلى أخيه علا : أتونسي أنت أم جزائري ؟فنظر إلي باستغراب مكتفيا بابتسامة نقية صادقة لا يقدر عليها إلا طفل صحراوي . ثم أردف قائلا :اسأل أبي فهو الذي يعلم ولكن الأب هو أيضا لا يعلم أما الصحراء فهي الصحراء : رمل وسماء وماعز هنا وهناك ناقة ترعى الرتم ويستهويها في الأثناء رقيق الرمل فتبتعد موغلة في صحراء بلا حدود .آنذاك يلاحقها جباري بسرعة غزال كي يعود بها إلى القطيع ملوحا بعصاه في وجه الشمس التي بدأت تميل نحو المغرب .كل شيء يضحك جباري ملابسنا الإفرنجية الأنيقة ولثامنا الناشز وحماقة من يدعي ذكاء المدينة بأسئلة تشبه أسئلة السياح الوافدين على المكان الصحراوي.

حينما سألته عن عمره ضحك لأنه لايعلم حقا وان بد حسب الظاهر في آخر الطفولة أو على بدء عتبة الشباب سألته عن الطعام الذي يقتاته عن الماء عن الدواء عن ألعابه ولعبه عن المدرسة التي لا يعلم عنها شيئا .وكأنه يفهم بعض ما أقول أحيانا فيجيب إيماء بالنفي أو الإثبات .

ليلتها نمنا تحت الخيام في أحضان أم واحدة بعد أن قضينا سهرة العام المتجددة متحلقين بالنار ننعم بالضحكة تلو الضحكة وبأغاني العيدي المهووس بعشق الصحراء

.


.ثمة سر دفين يصل بين البحر والصحراء فهما كتاب واحد بعنوانين مختلفين إذ يكفي أن نفتحه من اتجاه لنستقرئ الماء ومن اتجاه آخر لندرك بعضا من معنى الرمل كي ينتهيا بخاتمة واحدة أو ببدء مشترك هو الوجود القائم على حافتي العدم .فثمة وجع في الداخل يدفعني إلى الفرار من البحر إلى الصحراء كي أعود إلى البحر مشحونا بالأمل وبالمزيد من عشق دوز وقصر غيلان وأحلام الرمل .

نزور الصحراء مرارا لندرك حقيقة إنها المتعددة رغم واحدية الرمال ذلك ما لم يكشف عنه الروائي الايطالي ايتالو كالفينو رغم عديد "مدنه اللامرئية " فدوز وجه آخر للمدينة لأنها سليلة الصحراء ومثال حي يدلل على أن الصحراء مدينة أخرى إن نظرنا إليها بعين الوجود ودوز أخاف منها أيضا منذ غاب عن الأنظار احد رجالها الأوفياء عبد العاطي الصغير .أخاف أن أوغل في قاع الصحراء التراجيدي .أخاف أن أرى وجها آخر ينهدم في بنيان الصحراء التي عشقتها قبل أن أراها وتعاظم عشقي لها عند اللقاء تلو اللقاء.فيسكنني يتم آخر .الثابت أنني أتطهر في كل عام عند زيارة دوز وصحراء دوز وأصدقاء دوز الأوفياء .أحفاد العرب المرازيق أجدادي أيضا رغم من أسكنوني قريبا من البحر ....


د .مصطفى الكيلاني .جريدة الصريح الخميس 7 أوت 2008

------

هذه الرحلة كانت على هامش ندوة دوز 2007/2008 الى منطقة قرب قصر غيلان تبعد اكثر من 120 كلم جنوب شرق مدينة دوز التقى فيها د. مصطفى الكيلاني ببدو رحل لاهوية لهم يسمون" الربايع "يعيشون في مثلث الصحراء الجنوبي بين الجزائرو تونس وليبيا . وكان اللقاء مع اثنين من ابنائهم هم علا ( بتشديد اللاء) وهو الاصغر وجباري ( بتشديد

الباء).كتب عنها في الصريح وهذا فيديو توثيق للرحلة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟