mardi 28 avril 2009

مداخلة الاستاذ علي سعيدان في ملتقى محمد المرزوقي للادب الشعبي بدوز








التراث الشعبي من المشافهة لكتابة التاريخ و الابداع الفني
أعمال امحمد المرزوقي نموذجا
- جزء من المداخلة -
في دراسة حول الراوي الشعبي الروسي نيكولا ليسكوف، يقول الفيلسوف الألماني فالتر بنيامين:
الملل هو طائر الأحلام الذي يرجن بيضة التجربة و يحضنها، و خشخشة الأوراق اليومية تنفره(الطائر)، ذاك ما يجعل هبة الإنصات و الانتباه تضيع، لأن لا أحد ينصت اليوم و هو ينسج أو يغزل. إذ كلما كان المستمع متناسيا لنفسه كلما رسخ ما يستمع إليه في أعماق ذاكرته، بصورة تحصل له موهبة رواياتها بدوره. هكذا تشكلت الشبكة التي تحوي موهبة الرواية، و هكذا تنحل في أيامنا هذه عقد الشبكة من كل ناحية بعد أن عـُقدت منذ آلاف السنين، حول أقدم أشكال الحرف التقليدية
ومن عايش البدو والمجتمعات الريفية والتقليدية لا يمكن ألا ينتبه امنزلة الرواية و السرد مشافهة، سواء ما تعلق بحياتهم و أنشطتهم أو للأحداث الهامة والبسيطة التي تحدث بينهم. وتأخذ فنون السرد منزلة تجعل تداولها من اختصاص من هو أقدر على شد انتباه سامعيه باطرق التي أصبحت اليوم من العناصر الأساسية في بناء قصص الأعمال السمعية البصرية.
و من المؤكد أن تجربة الأستاذ محمد المرزوقي تنهل من هذه الطقوس التي شدته في مرحلة ما من مراحل تجربيته المراوحة بين البداوة المستبطنة و معيشه الحضري، من جهة ومن إحساس دفين أو لاواعي باقتراب نهايات نمط عيش كان الأرضية المتينة لازدهار المشافهة و تواصلها كسلسلة تواتر ترمز لتواصل الحياة.
غداة الاستقلال، ستشهد أعمال المرزوقي تحولا نوعيا مصيريا، ستتم به القطيعة مع الشاعر والكاتب الأديب، لنكتشف فيه الباحث المنقب و المحقق، المهوس بالذاكرة التاريخية والأدبية والثقافية أو الاجتماعية.
وإن كان من اهتماماته تحقيق الآثار المرتبطة بالمكتوب إلى جانب تقصيه المضني بالآثارالشفوية فيبقى القاسم المشترك في كل هذا حرصه أو إصراره على منافسة الزمن و آفة حريق النسيان الذي يبدو تسارع نسقه بتسارع الحداثة والتحولات الاجتماعية فضلا على اختفاء العديد من شهود للأحداث أو من حفظة الأخبار و الأشعار و الحكايات.
يمكن أن نصنف أعمال محمد المرزوقي ذات الصلة بالشفوي إلى ثلاث محاور أساسية مع ما يمكن أن يكون من التداخل بينها:
1. المحور التاريخي و يهتم بالدرجة الأولى بالوقائع و معارك لمقاومة و الثورات.نذكر من مؤلفاته فيها:
• الدغباجي (1968) و (1979)
• صراع مع الحماية، (1773)
• دماء على الحدود،(1975)
• ثورة المرازيق (19..)
2. المحور الفني: و يهتم بالتراث الشعبي الشعري في الجانب الأكبر و الملاحم الخرافية و الأمثال، التي ألف فيها:
• الأدب الشعبي (1967)،
• مختارات من محلات الشاهد (1970)
• عبد الصمد قال كلمات، (1970)
• الشعر الشعبي و الانتفاضات التحررية، (1971)
• أحاديث السمر،(1973)
• الجازية الهلالية، (1978)
• و مجموعة من الدراسات ضمن منشورات الحياة الثقافية حول ملحمة حسونة الليلي (1976) و شاعرغبنتن الفيتوري تليش (1976)والشاعر الصفاقسي أحمد ملاك(1980)
3. المحور الاجتماعي و بهتم بالعادات و التقاليد البدوية الذي ألف فيه
• مع البدو في حلهم و ترحالهم (1980)

و من المفارقات الكبرى التي ربما كانت من دوافع
إن الرواية التي ازدهرت طويلا في أوساط الحرف التقليدية - الزراعية و البحرية ثم الحضرية – هي بدورها تقريبا شكل من الحرفة التقليدية، فهي لا تهدف إرسال الشيء عاريا بذاته كتقرير أو معلومة بل تدمجه في حياة من رواه لتستخرجه منه من جديد. و هكذا يعلق بالرواية أثر الراوي مثلما يعلق على آنية من الخزف أثر يد الخزاف. و كل راوي حقيقي يميل في بداية روايته إلى ذكر الظروف التي علم فيها بما سيرويه، هذا إذا لم يقدمها على أنها حكاية عاشها في حياته.