mercredi 5 mars 2008

حول ضرورة توثيق الذاكرة الشفوية


الموضوع : فولكلور
مهند صلاحات*
تعتبر الثقافة الشفوية جزء هام من حقوق الشعوب الأصيلة، وحق أصيل يحتاج لعناية وجهد حقيقيان لحمايته وحفظه من الضياع، ومن هنا تكمن أهمية الحاجة إلى ضرورة البحث عن تدابير واقعية وخطوات إيجابية لتوثيق التعبير الثقافي الشفوي الذي يتعرض بشكل دوري ومستمر لخطورة الضياع والتلاشي بشكل متعمد أو غير متعمد تحت مسميات الحداثة والعولمة، وكذلك ثقافة العيب، وعدم الحاجة لطرق باب الأساطير التي قد تدخل في منطق المحرمات، مما يوصلنا إلى مرحلة طمس للهوية أو تلاشيها وخاصةً في ظلّ تحديات العولمة وتلاشي الهوية القومية وظهور الدولة في مقابل الأمة، وبعد ذلك مرحلة تلاشي حتى مفهوم الدولة ثقافياً وصولاً إلى الدولة الأممية التي تمتزج معها جميع ثقافات العالم في بوتقة واحدة، مما يعني ضياع جزءٍ كبيرٍ وهامٍ من ثقافة المرحلة السابقة إن لم نتخذ تدابير جادة أسوة بباقي دول العالم التي وضعت بالاعتبار قبل الإقدام على خطوة الانفتاح على العالم على توثيق معظم ما لديها من ثقافة شفوية وتراث وفلكلور.
فدخول العولمة للمجتمعات سيفقدها حتماً جزءاً كبيراً من ذاكرتها الشفوية في ظل التوجه نحو التكنولوجيا، مما يعني فقدان أحد أهم معارف المجتمعات الأصيلة والمحلية وابتكاراتها وعاداتها، فهذه الذاكرة التراثية، أو الثقافة الشفوية الأصيلة المتجددة تأخذ أشكالاً متعددة تبدأ من الحكايات والأساطير الشعبية والأغاني الشعبية سواء تلك الطقسية كأغاني البحارة والحصادين أو أغاني الأمهات للأطفال، حكايات المعارك، والأزياء الفلكلورية وأدوات الحصاد، والأدوات التقليدية التي يستخدمها الصنّاع وأرباب العمل، أدوات الحرب، التي تحتاج لذاكرة تحفظها كصورة قبل حفظها مادياً، وصولاً إلى نداءات الباعة المتجولين وحكايات الحارات، وغيرها، لتشكل بمجموعها مجموعة من الموارد التراثية المعرفية التي تحتاج للحماية والحفظ.
فهذا الإبداع التقليدي وأشكال التعبير الثقافية (الفلكلور) تعاني من أزمة حقيقية في مسألة الحماية من الضياع، والنسيان، والذوبان، والنهب، لأسباب كثيرة قد يبدو أهمها؛ شيوعها بين الشعوب، واشتراك أكثر من شعب ببعضها، أو ما تتعرض له بعضها مثل الأزياء لسطو من قبل شعوب غير مؤصلة تبحث لنفسها عن مرجعية تراثية كالأزياء الفلكلورية التي تتعرض لسطو تجاري من غير تصاريح لعدم وجود أصلاً قوانين تنظم آلية معينة في التعامل مع هذه المواد، أو التي تسطو عليها المستوطنات الاستعمارية من سكان الشعوب الأصلية كما يحدث في فلسطين من سطو اسرائيلي مستمر على التراث الفلسطيني.
وقد تبدو مسألة البحث ضمن إطار الحماية الملكية الفكرية للتراث في الوقت الحالي خاصة في بلدان مثل الأردن وفلسطين والدول التي تجاورها -باستثناء مصر التي أسست لهذا الموضوع بشكل مؤسساتي رسمي- مسألة متقدمة جداً إذا ما نظرنا بشكل واقعي لخطوات سابقة أهمها ضرورة تدوين، وتبويب، وتصنيف، وتوثيق، هذه الموارد التراثية بشكل علمي، وبطريقة مؤسساتية رسمية لتحفظ ديمومة عملية الحفظ والإشراف عليها، وفيما بعد وضع قوانين ملكية فكرية تحدد طريقة استخدامها لأغراض تجارية أو غيرها.
جهود التدوين الفردية والمؤسساتية في الأردن والدول العربية:
على الرغم من أن فلسطين تشترك مع العديد من الدول المجاورة مثل الأردن وسوريا في العديد من المفردات التراثية المشتركة، إلا أن أياً من هذه الدول ومؤسساتها لم تقم بشكل حقيقي بأي عملية تدوين وتوثيق للثقافة الشفوية، ولا يقتصر ذلك على فلسطين وجيرانها، بل يمتد كذلك ليشمل معظم الدول العربية باستثناء مصر التي قامت بإنشاء (المركز القومي لتوثيق التراث الثقافي والطبيعي، الذي جاء بناء على مشروع قامت به وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ضمن إطار البرنامج القومي لنهضة الثقافة في مصر وقام على أساس وضع خارطة سميت (الخارطة الآثارية لمصر)، وكذلك وضع خطة للتراث المعماري لمدينة القاهرة، وتوثيق التراث الطبيعي بجمع كل المعلومات المتوفرة في البيئات الطبيعية المختلفة ومكوناتها في مصر، وبرنامج توثيق التراث الموسيقي، وتراث التصوير الضوئي المصري.
تبعت مصر كذلك اليمن في تدشين بيت الموروث الشعبي، والذي عمل على إنجاز موسوعة أطلس للحكاية الشعبية اليمنية والذي صار الآن بإصداره الثاني مشتملاً على (قراءة في السردية اليمنية مع 70 حكاية شعبية).
بينما لا تزال أياً من الدول العربية الأخرى باستثناء مصر والمغرب واليمن، على جهود حقيقية بهذا الاتجاه، وبخاصة فلسطين التي تعاني تقصيراً مقصوداً من قبل مؤسسة السلطة الرسمية وذلك باعتبار ان جهوداً مؤسساتية يمكنها أن تضايق الجانب الإسرائيلي، بالتالي التأثير على العملية السلمية التي يعتمد فيها الجانب الفلسطيني على بقاءه.
• كاتب وصحفي فلسطيني
salahatm@hotmail.com