dimanche 3 février 2008

العرب المحدثون وتراثهم الثقافي الشعبي - عبد الصمد بلكبير



ورد هذا المقال الجيد عن الثقافة الشعبية العربية في موقع انفاس نت ونظرا لاهميته وطوله ساقوم بانزاله على اجزاء تعميما للفائدة.
الجزء الاول :التراث الشفوي والاستعمار
بالرغم من أن للأمة العربية في تراثها الثقافي المكتوب، ناهيك بالشفوي، ما يعتبر رصيدا محترما جدا في العناية بظواهر وابدا عات الثقافة أو الثقافات الشعبية... ان بطريق مباشر أو غير مباشر، مثل كتب لحن العامة مثلا، والتي رصدت بكثرتها وتراكمها ظواهر التطور اللغوي في الخطاب اليومي والا نشاء الأدبي، وذلك غالبا في اتجاه التقارب والتقريب بين الفصيحة والعاميات وثقافاتهما، فقد مر على العرب حين من الدهر توقفوا عن تلك العناية النظرية على سبيل البحث والتأليف، في شروط تاريخية كانت كل عناية من ذلك القبيل ستحتسب طعنا في الفصحى والتفاتا عن الأخطار المحدقة بها، وبالنتيجة خدمة لأغراض السياسة اللغوية الضمنية أو الصريحة للدول والحكومات الاسلامية غير العربية والتي سادت أجزاء من الأمة العربية أو مجملها وكانت تعمل على تسييد لغتها وفي المقدمة منها كانت الدولة التركية العثمانية.
تجددت عناية العرب المحدثين بتراث شعوبهم الشفوي، بارتباط وتلازم مع بروز وتنامي ظاهرة الغزو الاستعماري الحديث، وما سبقه أو تخلله من غزو ذي طبيعة ثقافية مثل الاستشراق والمستشرقون طليعتها. وقد تم ذلك قبيل الغزو الفرنسي لمصر خصوصا (1798) عن طريق بعض البعثات الفرنسية المختصة في دراسة وتجميع ورصد ظواهر اللغة والثقافة الشعبية العربية. وتحضرنا في هذا الصدد أسماء شهيرة وعديدة لمستشرقين رحالة، ربما كان من أبرزهم أشخاص، ما كان للحملة الفرنسية أن تقع بالشكل الذي وقعت به لولا تمهيداتهم على ذلك الصعيد، نذكر من بينهم: سفاري (1776) وفولني (1783-1785) وماسبيرو (1881 - 1886) من الفرنسيين. وروز نمللر وفلوجل من الألمان وكارلايل وشولتز الأب من الهولنديين... الخ.
ومنذ بداية الحملة وخلالها، نقد اشتغل عشرات المستشرقين في نفس الميدان ولنفس الأهداف، وكان من أبرز نتائج ذلك كتاب "وصف مصر" في ستة وعشرين مجلدا، الكثير من موادها يتصل برصد وبحث ظواهر الثقافة الشعبية بمصر. ويعتبر من أهم باحثي الحملة وما تلاها المستشرق بيرسيفال الذي وضع "غراماتيق اللغة العامية" والذي يعد من بواكير كتب التقعيد لتلك اللغة وتيسير تعليمها في مدارس الاستشراق الفرنسية وهو أيضا يعتبر من أوائل ما أصدرته المطبعة الفرنسية التي استقدمتها الحملة معها الى مصر.
وإثر انسحاب الحملة (1801) أخذ الفرنسيون معهم بعضا ممن تعاملوا معهم من المواطنين الأغرار غالبا، فكانوا من أوائل المهتمين والدارسين لثقافة شعوبهم، وإن حصل ذلك في اتجاه خدمة مصالح الأجنبي طبعا.
من أوائل هؤلاء كان: إلياس بن بقطر السيوطي (1784- 1821) أخذ وهو في سن الخامسة عشرة من عمره ليعين مترجما للكتابات العربية بالإدارة الحربية الفرنسية، ثم محاضرا في اللغة العامية بمدرسة اللغات الشرقية الحية بباريس وأثناء ذلك ألف معجما لغويا مزدوجا للغتين العامية العربية والفرنسية.
وبرفقته اشتغل أيضا زميله في الهجرة والعمل: ميخائيل بن نيقولا الصباغ (1784- 1816) الذي ألف سنة 1812 بحثا حول قواعد اللغة العامية بمصر والشام تحت عنوان الرسالة التامة في كلام العامة.
أما ثالثهم فكان: ج.أ جوب (1795) وعائلته. الذي اشتغل بمراكز الدراسات الشرقية الفرنسية وألف كتاب "مزيج من الأدب الشرقي والفرنسي" أورد فيه العديد من المواويل المصرية مترجما الى اللغة الفرنسية.
عقب هذا النمط من المستشرقين العرب والذين كانوا عموما من الأقباط المسيحيين، وقع احتضانهم، إن لم نقل اغتصابهم وهم بعد أغرار، ستبدأ مرحلة جديدة تميزت هذه المرة باستقدام بعض شيوخ الأزهر نفسه الى أوروبا للاستفادة منهم على صعيد التعليم والترجمة أولا ثم التأليف لاحقا فيما كان يهم الغرب معرفته من تراث شعوبهم الثقافي. من أوائل هؤلاء كان الشيخ محمد عياد الطنطاوي (1810) وقد شغل منصب استاذ اللغة العربية بمعهد الدراسات الشرقية بسان بطرسبورج لمدة أربعة عشر عاما (1847-1861) وكان من نتائج رحلته تأليفه لمؤلفات تتصل بموضوعنا: "الحكايات العامية المصرية" و "بحث في اللغة العامية" وقد نال تقديرا استثنائيا من قبل دوائر الاستشراق. ثم "أحسن النخب في معرفة لسان العرب" وبه مختارات من الموال المصري.
وهنالك من بين الباحثين العرب الرواد في هذا الميدان من لم يقيموا في الغرب، غير أنهم استكتبوا من طرفه وذلك من خلال الاستدعاء والحضور الى مؤتمرات الاستشراق نذكر منهم خاصة: الاستاذ محمد عمر الباجوري الذي قدم بحثا في موضوع "أمثال المتكلمين من عوام المصريين الى المؤتمر العلمي الثامن بالسويد سنة (1879). والباحث الشهير: حفني ناصف، والذي قدم من جهته الى مؤتمر العلوم الشرقية بفيينا سنة (1885) بحثا بعنوان "مميزات لغة العرب، وتخريج ما يمكن من اللغات العامية عليها".
وحتى هذه المرحلة. فمن الواضح أن بحوث العرب الرواد، لم تكن خالصة لوجه الثقافة الشعبية ممثلة أساسا في لغتها. فبالنسبة للأوائل كان الهم تقديم خدمة في إطار عمل وظيفي مأجور للأجنبي. وبالنسبة للأخيرين فإن هم الفصيحة في الغالب، ومقارنة العامية بها، هو الأوكد والأهم في أبحاثهما.